“كونوا منفتحين بثقة على المستقبل”
حاضرة الفاتيكان، الأربعاء 18 نوفمبر 2009 (Zenit.org) – – ننشر في ما يلي القسم الثاني من الرسالة التي بعثها الكاردينال ترشيزيو برتوني، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، بتاريخ 10 نوفمبر إلى الكهنة في الصين بمناسبة سنة الكهنة. وقد نشر مجمع تبشير الشعوب نص الرسالة اليوم بالإنكليزية والصينية والإيطالية.
***
4. سر الافخارستيا. في سنة الكهنوت هذه، أود أن أذكركم بالمنبع الذي تستمدون منه القوة للأمانة لرسالتكم المهمة. وأرغب في أقوم بذلك من خلال كلمات البابا بندكتس السادس عشر: في الكنيسة، “ارتبط كل إصلاح عظيم بإعادة اكتشاف الإيمان بحضور الرب السري بين أفراد شعبه” (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 5، ملاحظة 20).
يظهر الاحتفال بالسر الفصحي المحبة agape، أي محبة الله التي تهزم الشرير، وتحول الشر إلى خير والبغض إلى محبة. من خلال المشاركة في جسد المسيح ودمه في الافخارستيا – حسبما ذكرنا الأب الأقدس –، تحل علينا القوة الإلهية “لتكمل عمله فينا ومن خلالنا” (الرسالة العامة الله محبة، رقم 14). بالاتحاد مع المسيح في الافخارستيا، نصبح وكلاء تبديل القلوب الحقيقي (الله محبة، 13 و14). وكما قال خوري آرس القديس: “إن كل الأعمال الحسنة لا تساوي ذبيحة القداس لأنها أعمال البشر في حين أن القداس عمل الله”.
إن سر الافخارستيا، سر الشركة، ومنبع الحياة الكنسية والتبشير وذروتهما، يعتبر محور درب المصالحة. حتى ولو تم الاحتفال بسر الافخارستيا في جماعة معينة، إلا أنه ليس أبداً احتفال تلك الجماعة وحدها. يجب على الجماعة الافخارستية الحقيقية ألا تنغلق على ذاتها حتى ولو كانت مكتفية ذاتياً، بل أن تحافظ على شركتها مع كل الجماعات الكاثوليكية الأخرى. فكل احتفال بسر الافخارستيا يفترض الاتحاد ليس فقط مع الأسقف المحلي وإنما أيضاً مع البابا وكل الأساقفة والإكليروس وشعب الله أجمع.
وفي الرسالة إلى مسيحيي كورنثوس، أظهر القديس بولس أن انقساماتهم التي كانت تبرز في اجتماعاتهم كانت تتناقض مع ما يحتفلون به أي مع عشاء الرب. لذا دعاهم الرسول إلى التفكير في حقيقة سر الافخارستيا ليردهم إلى روح الشركة الأخوية (1 كور 11: 17، 34).
ذكرنا البابا يوحنا بولس الثاني أن سر الافخارستيا يحدث الشركة ويعلمها. وكرر بندكتس السادس عشر هذا التعليم معطياً بعض الإرشادات عن نيل الأسرار في الأوضاع الراهنة للكنيسة في الصين (الرسالة إلى الكنيسة في الصين، رقم 10). هذه الإرشادات متجذرة “في تنمية الشركة” وفي “المحبة السامية دوماً”: كما أنها مذكورة في “ملخص” الرسالة البابوية عينها التي نشرها الكرسي الرسولي في 24 مايو 2009.
5. كلمة الله. أيها الكهنة الأعزاء، دعوني أذكركم مجدداً بكلمات الأب الأقدس بندكتس السادس عشر: “في العالم المعاصر، وكما في الأوقات العصيبة التي عاش فيها خوري آرس، تحتاج حياة الكهنة ونشاطاتهم إلى التميز بشهادة ثابتة للإنجيل. وكما أشار البابا بولس السادس، فإن “الإنسان المعاصر يصغي برغبة أكبر إلى الشهود أكثر منه إلى المعلمين، وإن أصغى إلى المعلمين، فذلك لأنهم شهود”. في سبيل تلافي اختبار فراغ وجودي وتعريض فعالية خدمتنا للخطر، يجب أن نسأل أنفسنا باستمرار: “هل نحن حقاً ممتلئون من كلمة الله؟ هل هذه الكلمة هي التي نقتات منها أكثر من الخبز والأمور الأخرى في هذا العالم؟ هل نعرف حقاً هذه الكلمة؟ هل نحبها؟ هل نحن ملتزمون بهذه الكلمة لدرجة أنها تؤثر في حياتنا وفي تفكيرنا؟. مثلما دعا يسوع التلاميذ الاثني عشر ليلازموه (مر 3، 14)، وأرسلهم لاحقاً ليبشروا، هكذا أنتم الكهنة مدعوون في هذا العصر إلى فهم “أسلوب العيش الجديد” الذي افتتحه الرب يسوع واتبعه الرسل” (رسالة إعلان سنة الكهنوت).
6. مهمة الأساقفة. أيها الكهنة الأعزاء، دعوني أوجه بعض الكلمات إلى أساقفتكم الذين نالوا كمال الكهنوت. أيها الإخوة الأعزاء في الأسقفية، أود أن أذكركم أن درب كهنتكم نحو القداسة قد أوكلت إلى عنايتكم الرعوية. إن فكرتم في الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة في العالم المعاصر، سهل عليكم فهم عبء مخاطر التبدد التي تثقل كاهل الكهنة في مختلف المهمات.
تظهر التجربة اليومية أن بذور التفكك بين البشر متجذرة في البشرية نتيجة الآثام، إلا أن الكنيسة قادرة على تقديم قوة جسد المسيح لبناء الوحدة. وقد اعتبر المجمع الفاتيكاني الثاني أن المحبة الرعوية هي الرابط الذي يمنح الوحدة لحياة الكهنة ونشاطاتهم.