القبيات، الجمعة 27 نوفمبر 2009 (Zenit.org). – نقدم نصي رسالة وإنجيل قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من “نشرة الأحد” – موقع القبيات الإلكتروني.
* * *
الإنجيل
39 وفي تِلْكَ الأَيَّام، قَامَتْ مَرْيَمُ وَذَهَبَتْ مُسْرِعَةً إِلى الـجَبَل، إِلى مَدِينَةٍ في يَهُوذَا.
40 ودَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا، وسَلَّمَتْ عَلَى إِليصَابَات.
41 ولَمَّا سَمِعَتْ إِلِيصَابَاتُ سَلامَ مَرْيَم، ارْتَكَضَ الـجَنِينُ في بَطْنِها، وَامْتَلأَتْ مِنَ الرُّوحِ القُدُس.
42 فَهَتَفَتْ بِأَعْلَى صَوتِها وقَالَتْ: “مُبارَكَةٌ أَنْتِ في النِّسَاء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ!
43 ومِنْ أَيْنَ لي هـذَا، أَنْ تَأْتِيَ إِليَّ أُمُّ ربِّي؟
44 فَهَا مُنْذُ وَقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ، ارْتَكَضَ الـجَنِينُ ابْتِهَاجًا في بَطْنِي!
45 فَطُوبَى لِلَّتي آمَنَتْ أَنَّهُ سَيَتِمُّ ما قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبّ!”.
(لو 1 39-45)
تأمّل من وحي الإنجيل
في هذا الأحد المبارك نتأمل بزيارة التي قامت بها مريم الى نسيبتها اليصابات.
في الحقيقة، تحُثُّنا هذه الزيارة على اكتشاف أسرارٍ عديدة كادت تغيب عن بالنا. فبعد أن أخفت اليصابات حَملها مدّة خمسة أشهر، عرفت مريم من خلال الملاك أن نسيبتها حبلى فتحركت أحشاؤها وأسرعت لتخدم الشيخة الجليلة التي هي بأمسّ الحاجة إلى من يخدمها وإلى من يكون الى جانبها، فالمرأة الحامل تشعر بالتَّعب كُلَّما أنهت شهراً من حملها، فكَم بالحري الشيخة الجليلة اليصابات التي طعنت في السنّ والتي تدبرت أمرها في الأشهر الأولى، مع زوجها زكريا، ولكنها الآن بحاجة الى شخص آخر بجانبها يساعدها وترتاح اليه.
وها هي العذراء تصل في الوقت المناسب لتقوم بواجب الخدمة على أكمل وجه وتبقى في جبال اليهودية الى حين ولادة يوحنا. إن مريم التي امتلأت من الروح القدس لحظة البشارة والتي قالت “أنا أمة الرب”، لم تنتظر كثيراً لتلتزم بوعدها هذا، بل قامت في الحال وذهبت مسرعة وهذا أول دليل على التزامها الكامل بروح الخدمة والمحبة. فالمسيح التي حبلت به من الروح القدس هو الخادم الأول وهو من دفع بها لتقوم بهذه الزيارة، أليس هو القائل “جئت لأخدُم لا لأُخدَم؟”
ولا يغِب عن بالنا سر التحيَّة التي ألقتها مريم على نسيبتها فهي تحمل في أحشائها ملك السلام، لذا حلَّ السلام في بيت زكريا وعرفت اليصابات في الحال أن مريم هي أم الرب، والجنين الذي في أحشائها هو قدوس الله. وهذا ما جعلها تُعلن وتعترف أن مريم هي مباركة بين النساء وما تحمله هو نور العالم وشمس البِرّ، وليس فقط هذا، بل أعلنت مريم طوباوية لأنها آمنت بما قيل لها من قِبَل الرب.
وما يلفتنا أيضاً في هذا اللقاء بين العذراء واليصابات لقاء الجنينين يوحنا ويسوع. فالأوّل يرمز إلى العهد القديم والثاني إلى العهد الجديد. وما ارتكاض الجنين يوحنا في أحشاء أمه سوى علامة على امتلائه من الروح القدس وكأنَّ المسيح عمَّد يوحنا في الحشا استباقاً لليوم الذي سيأتي فيه يوحنا ويعمِّد المسيح.
كلّ هذه الأمور التي صارت خلال هذه الزيارة تطرح علينا أسئلة كثيرة أهمُّها:
• ما هو الهدف من زياراتنا لبعضنا البعض؟
• هل نزور بعضنا لعمل الخدمة وتقديم المساعدة مثل مريم؟
• أم نزور بعضنا لغاياتٍ “في نفس يعقوب”؟
• هل زيارتي للآخر تحمل له السلام؟ أم زيارتي هي للنميمة والتكلم على الآخرين وخلق الخصام؟
• هل أحمل يسوع المسيح ملك السلام لمن أزورهم ؟ أم أحمل لهم أسماء ملوك آخرين لا يأتي منهم سوى الحرب والخراب والدمار؟
• ويبقى السؤال الأخير كم من مرَّة نَعِد الرب بأمور كثيرة وحين يأتي وقت الإلتزام هل نلتزم أم نتناسى الموضوع؟
في النهاية، لا يسعنا في هذا الأحد إلا أن نطلب من مريم أن تُعَلِّمنا كيف نحمل يسوع في قلوبنا ونعطيه للَناس. نطلب إليها أن تعطينا روح الإلتزام بما نَعِد، وأن تخلق فينا روح الخدمة للآخرين.
نعم أنت يا مريم ساعدينا لتكون زياراتنا للخدمة والسلام بعيداً عن كلّ المصالح الشخصية والأنانية والغايات الدنيئة، آمين.