بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الخميس 7 أكتوبر 2010 (Zenit.org). – في كتاب ذي عنوان لافت “حياة أو موت المسيحيين الشرقيين”، يحلل جان بيار فالونيْوْ، أحد دارسي المسيحية الشرقية حالة مسيحيي المشرق، بطريقة غنية بالمراجع وبالتحليل النقدي الجدي. النتيجة التي يتوصل إليها الكتاب الطويل تبدو إلى حد ما مأساوية: يتوقع الكاتب، نظرًا لمسيرة الأمور أن ينتهي الوجود المسيحي في الشرق.
لا يمكننا، من خلال تفاؤل وثاب، أن نناقض بسهولة نظرية وتحليل الكتاب، لأنه بعد نحو 16 سنة من نشر الكتاب، نرى أن حالة المسيحيين في الشرق المتقلقل لم تتحسن، لا بل ساءت أحوالهم بشكل لم يكن بامكان المؤلف أن يعرفه مسبقًا عندما نشر الكتاب في عام 1994.
الحروب المتهورة التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 أدت إلى نوع من ردة فعل دفاعية عند بعض المسلمين، وبسبب سوء تفاهم جيوسياسي، ربط البعض ردة فعل إدارة جورج بوش بالمسيحية، فصار المسيحيون، رغم عدم ارتباطهم بالسياسية الأميريكية، أول المتهمين بسياسات الإدارة الأميريكية السابقة، وأكبر ضحايا هذه المعركة التي تدور دون ميدان محدد، دون عدو معروف، ودون أهداف واضحة.
تُعلمنا الأخبار بأن أكبر الضحايا بين المسيحيين هم العراقيين، ولكن نظرة أدق إلى حالة ما بعد 11 سبتمبر 2001 تبين لنا أن حالة المسيحيين بشكل عام ساءت في الشرق. تقول الاحصاءات، مثلاً، بأن عدد المسيحيين في الأراضي الفلسطينية الآن لا يزيد على 2 %. الحالة التي تولدت بشكل خاص بعد غزو العراق في عام 2003 حملت على خروج وهجرة كبيرة وجماعية للمسيحيين الذين هربوا من الأراضي التي عاشوا فيها منذ العصور المسيحية الأولى تجنبًا للقتل، للتهميش، لعدم الاستقرار وللموت.
من يراقب مقررات ومبادرات الأمم المتحدة لا يستطيع إلا أن يتقاسم وصف اختصاصي إيطالي آخر بشؤون الشرق الأوسط، جوزيبي كوفالّي، الذي يصف مسيحيي الشرق الأوسط بـ “الإخوة المنسيين”. نعم إن مسيحيي الشرق الأوسط هم منسيون، ولم ينسهم المسيح بل إخوتهم المسيحيين.
فلنتحاش سوء الفهم والعقوق: هناك العديد من المبادرات الفردية والجماعية الغنية بالإرادة الطيبة (مثل زيارات الأساقفة الأوروبيين والأميريكيين، جهود كاريتاس وعون الكنيسة المتألمة…)، كما ولا ينقص الدعم المادي رغم أنه غير كافٍ كمًا. ولكن جميعنا يعرف أننا لا نستطيع أن نوقف نزيفًا من خلال ضمادٍ لاصق؛ المنطق يدعونا إلى التفكير بمبادرة أكبر: فما نحن بحاجة إليه لوقف النزيف المسيحي في الشرق الأوسط هو مقاربة متكاملة، متعددة الوجوه والمبادرات لدرء ظاهرة خطيرة ومتزايدة تحتاج لكي لا تصل إلى نقطة لا رجوع عنها (ربما بلغتها!) مداخلة عالية المستوى والدقة والالتزام لتخليص أراضي المسيحية الأولى وللحفاظ على هوية مواطنيها ووجدهن بالذات.
في هذا الإطار بالذات تأتي أهمية سينودس أساقفة الشرق الأوسط الذي دعا إليه البابا بندكتس السادس عشر، والذي سيعقد في الفاتيكان من 10 وحتى 24 من أكتوبر 2010 حول موضوع: “الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شركة وشهادة”.
(يتبع)