بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الاثنين 11 أكتوبر 2010 (Zenit.org). – “الحرية الدينية ليست مشكلة في البلدان العربية، المشكلة هي حرية اختيار الدين”، هذا ما صرح به صاحب الغبطة أنطنيوس نجيب، بطريرك الأقباط الكاثوليك في مصر، خلال المؤتمر الصحافي الذي أقيم اليوم الاثنين عقب اللقاء الأول الذي جمع الآباء السينودسيين صباح هذا اليوم.
جاءت هذه الكلمات في معرض الجواب على سؤال طرحه القسم العربي في وكالة زينيت العالمية واستعرض فيه هذه القضية المعقدة: فمسألة الحرية الدينية هي مشكلة تطرقت إليها ورقة العمل، وهي قضية محفوفة بالمصاعب، من بينها اثنتان:
الأولى هي فهم وتأويل الحرية الدينية في فكر المواطن العادي (والمسلم بشكل خاص) في الشرق الأوسط. فغالبًا ما يتم فهم الحرية الدينية وحرية الضمير كمرادف للانفلات والتحرر على النسق الغربي. الحرية الدينية غالبًا ما تُفهم كتحرر من الدين. هذا إلى جانب مسألة الانتماء الديني الذي يختلط ويتحد بشكل وثيق بالانتماء القومي بحيث يضحي تغيير الدين بمثابة تخلٍ وخيانة للهوية القومية.
المشكلة الأخرى هي واقع لا يمكن تجاهله: في معظم الدول، لا تملك الأقليات صوتًا يذكر أو قرارًا فعليًا. ولذلك يشكل المسيحيون بشكل عام، والكاثوليك بشكل خاص في بعض الدول المشرقية، أقليات في الأقليات، وعليه يصعب أخذ نظرتهم بعين الاعتبار، فماذا سيفعل السينودس عمليًا أو بالحري، ماذا يستطيع السينودس أن يفعل واقعيًا لكي يقدم تغييرًا ملموسًا في هذا المجال يمنح المسيحيين حرية مدنية ودينية مقبولة في أوطانهم التي يعيشون فيها أحيانًا كمجرد ضيوف أو مواطنين من الدرجة الثانية؟
أجاب البطريرك نجيب على السؤال بالقول: “السؤال حول الحرية الدينية لم يغب عن بال الآباء السينودسيين، ويجري الحديث مع السلطات عادة عن هذه المشكلة، فالسلطات المدنية والسياسية لا تقبل حرية تغيير الدين بسبب المبدأ الإسلامي الذي يربط وثيقًا بين الدين والدنيا”. وقد تطرقت وثيقة عمل السينودس لهذا الموضوع بإسهاب ودقة.
وأضاف أنه لا يمكننا الحديث عن عمل اضطهاد بكل ما في الكلمة من معنى. فالاضطهاد يتضمن عملاً سياسيًا منظمًا بحق الأقليات وهذا الأمر غير موجود في البلاد العربية. ولكن عدم وجود الاضطهاد لا ينفي وجود المصاعب.
من بين الصعوبات نجد واقع عدد المسيحيين، والكاثوليك منهم بشكل خاص. فعلى سبيل المثال – شرح البطريرك نجيب: “إذا ما أردنا الحديث عن العدد نحن فقط 250 ألف من أصل 8 ملايين من المسيحيين، الذين أكثريتهم من الأقباط الارثوذكس، وذلك من أصل 82 مليون مواطن مصري”. وعليه فالمسيحيون، رغم حالات التهميش والصعوبات، ليسوا في حالة اضطهاد حقيقي بل في حالة أقلية تفرض عليهم بحد ذاتها صعوبة في التعبير عن وجودهم وصعوبة في الحصول على تمثيل سياسي ومدني فعال. دون الحديث عن المشاكل التي يعاني منها المواطنون بشكل عام، مثل المشاكل الاقتصادية، مشاكل النمو السكاني وما إلى ذلك.
من ناحيته لاحظ المطران الراعي أن في البلدان العربية يُسمح بالارتداد من المسيحية أو اليهودية إلى الإسلام ولكن ليس على العكس. “فالارتدادات ممكنة ولكنها مسموحة فقط باتجاه واحد. وهذه مشكلة تسعى الكنيسة مع السلطات الدولية لحلها”. معضلة الحرية الدينية هي محلولة نظريًا، ولكن صعوبتها تكمن في التطبيق العملي. وهذه هي المشكلة الحقيقية!
ولكن هذه الصعوبات – أردف الراعي – لا يمكن بأي شكل أن تطفئ الرجاء في المسيحيين. فلا يمكننا أن نفصل حالتنا الجيوسياسية الحالية عن إيماننا ورجائنا. “نحن أقلية، ولكننا نحمل مهمة كبيرة، نحن خميرة في العجين ونور في العالم”.
وتابع الأسقف الماروني: “الكنيسة هي لاهوتيًا جسد المسيح السري. إن الجسد الذي ناله المسيح من مريم والذي حقق فيه الخلاص استبدله – إذا جاز التعبير – بجسده السري الذي هو الكنيسة. وهذه الكنيسة تحمل رجاء المسيح في العالم، عالم اليوم”.
“والكنيسة تؤمن أن المسيح هو سيد التاريخ ولذا فالسينودس ليس محاولة أخيرة أو محاولة يائسة. يجب على المسيحي أن يكون وسيلة طيعة” وهنا نصل إلى الشهادة المسيحية التي يتحدث عنها السينودس. وهذه هي الشهادة المسيحية هي شهادة الرجاء: أن نعطي معنى للحياة، للاديان، للثقافة.
هذا وختم البطريرك نجيب المداخلة بكلمات وثيقة العمل المفعمة رجاءً والقائلة: “لنا مكان، لنا رسالة، لنا مستقبل”.