بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الأربعاء 24 سبتمبر 2008 (Zenit.org). – أطلق الكثير من المفكرين في القرنين السابقين نظريات تقول بأن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو بولس الرسول وليس يسوع المسيح. ساند فرويد هذه النظرة في كتابه "مستقبل وهم" مصرحًا أن مؤسس اليهودية بنظره هو موسى، ومؤسس المسيحية هو بولس. كما واعتنق هذه الفكرة المؤرخ أدولف فون هارناك في كتابه "جوهر المسيحية". وفي أيامنا هذه، يقول بهذه الأفكار الباحث كورادو أوجاس وغيره من كتاب الكتب الرائجة المبيع والتي تفتقر لبحث علمي متين وتنطلق من حكم مسبق وإيديولوجية معادية للمسيحية التاريخية والتقليدية.

توقف تعليم البابا بندكتس السادس عشر اليوم في مقابلة الأربعاء العامة على علاقة بولس الرسول بالجماعة الرسولية الأولى، فتضمن تعليمه جوابًا يدحض هذه النظريات لأنها لا ركيزة حقيقية لها، ولأن رسائل القديس بولس نفسها تشهد أن بولس الرسول إنما نقل إلى الآخرين ما سبق وتلقاه هو بدوره ممن سبقوه وكانوا شهودًا عيان لحياة يسوع الناصري ولأقواله وتعاليمه.

بولس يعترف بمرجعية الرسل الأولين

هذا وذكر البابا في مطلع التعليم أن علاقة القديس بولس بالرسل الذين سبقوه في اتباع المسيح كانت علاقة احترام وتقدير، إذ يعترف بولس في رسالته إلى أهل غلاطية بأن الرسل الأولين هم "أعمدة الكنيسة".

وبما أنه لم يحظ بفرصة اللقاء بيسوع خلال حياته العلنية، شعر بولس بضرورة مزاولة التلاميذ الأولين، "بعد الخبرة الصاعقة على طريق دمشق"،لكي يستشير أولئك الذين "اختارهم الرب لكي يحملوا الإنجيل إلى أقاصي الأرض".

وذكر البابا أن لقاء بولس بكيفا (بطرس) في أورشليم لقاءً فريدًا: "فقد بقي بولس عنده مدة 15 يومًا "ليستشيره" (راجع غلا 1، 19)، أي ليستفسر منه عن حياة القائم من الموت على الأرض، بعد أن "استحوذ" عليه على طريق دمشق وبدأ يحول وجوده بشكل جذري".

ولذا يمكننا أن نستخلص أن بولس كان حريصًا جدًا على أن يحصل على معلوماته حول يسوع المسيح من المصادر الموثوقة، أي الرسل الأولين، لكي لا يبني إيمانه على حكمة بشرية أو على خرافات بل على كلمة التبشير، فهو نفسه يذكر في الرسالة إلى أهل روما أن "الإيمان من السماع، والسماع يكون من سامع كلام التبشير بالمسيح" (راجع روم 10، 17).

"أنقل لكم ما قد تلقيته بدوري"

ونجد في كلام بولس في الرسالة الأولى إلى الكورنثيين الدليل القاطع على أن بولس إنما يبشر بما سبق وتلقاه من التقليد المسيحي الذي سبقه، والذي وصفه البابا بـ "التقليد التأسيسي". ينقل بولس النصين بشكل حرفي تمامًا كما تلقاهما، وبصيغة رسمية جدًا: "أنقل لكم ما قد تلقيته بدوري".

ولفت البابا في هذا الإطار أن "بولس يشدد بالتالي على الأمانة لما تلقاه هو بدوره وينقله بأمانة إلى المسيحيين الجدد. إنها عناصر مؤسِسة وتتعلق بالافخارستيا وبالقيامة؛ نحن بصدد نصوص صيغت في الثلاثينيات. نصل بذلك إلى موت يسوع، وإلى دفنه في قلب الأرض، وإلى قيامته"

يقول بولس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس: "سَلَّمتُ إِلَيكم قبلَ كُلِّ شيَءٍ ما تَسَلَّمتُه أَنا أَيضًا، وهو أَنَّ المسيحَ ماتَ مِن أَجْلِ خَطايانا كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه تَراءَى لِصَخْرٍ فالاْثَني عَشَر"، ثم يختم تعداد ظهورات القائم من الموت لكيفا، والاثني عشر، ولأكثر من 500 أخ، وليعقوب، بإشارة إلى ظهور شخصي تلقاه في طريقه إلى دمشق: "وآخر الأمر تراءى لي أيضًا أنا السقط" (1كور 15، 8).

ويشرح البابا بهذا الصدد: "بما أنه اضطهد كنيسة الله، يعبر بولس في هذا الاعتراف عن عدم استحقاقه بأن يعتبر رسولاً بنفس مستوى الذين سبقوه: ولكن نعمة الله عليه لم تكن باطلة (1كور 15، 11). إن وحدة التبشير بالإنجيل وهويته هما أمران هامان: أفكنت أنا أم كانوا هم، نبشر بإنجيل يسوع المسيح المائت والقائم والذي يهب نفسه في سر الافخارستيا المقدس".

بولس: رجل الأمانة للتقليد

وخلص الاب الأقدس إلى القول: "تبرهن الأهمية التي يوليها بولس للتقليد الحي في الكنيسة، والذي ينقله لجماعاته، عن خطأ النظرة التي تعزو إلى بولس اختراع المسيحية: فقبل أن يبدأ بالتبشير بيسوع المسيح ربه، التقى بولس بيسوع على طريق دمشق وارتاده في الكنيسة، وتأمل بحياته في حياة الاثني عشر وفي حياة أولئك الذين تبعوه في طرقات الجليل".

لا يمكننا أن ننكر عبقرية بولس في نقل المسيحية، ولكن رسالة التبشير التي أوكلها إليه القائم من الموت لتبشير الأمم، احتاجت – كما ذكر البابا –  "إلى تثبيت وضمانة أولئك الذين مدوا نحوه ونحو برنابا يدهم اليمنى، علامة للرضى على عملهما الرسولي وتبشيرهما وقبولهما في شركة كنيسة المسيح". بعملهم هذا برهن الرسل على أن تعليم بولس لا يخرج عن التعليم الذي تلقوه من الرب يسوع، بل يسهم في إيصاله إلى الشعوب الوثنية بلغتها، تلك اللغة التي كان بولس ضليعًا فيها نحوًا وفلسفةً وثقافة.