بحسب رسالة البابا العامة “المحبة في الحقيقة”
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الثلاثاء 7 يوليو 2009 (Zenit.org). – بعد أكثر من عام من الانتظار، صدرت اليوم الرسالة العامة الاجتماعية “المحبة في الحقيقة” (Caritas in veritate) التي لا نبالغ إذا قلنا أنها الوثيقة البابوية الأكثر ارتقابًا في العقود الأخيرة. اكتظت دار الصحافة التابعة للفاتيكان بالصحفيين، وبمبعوثي العديد منا المؤسسات الإعلامية العالمية المرئية والمسموعة، إلى جانب الكرادلة، رؤساء الأساقفة، والأساقفة.
ونظرًا لطول الانتظار، سعت وسائل الإعلام إلى تكهن محتوياتها مقدمة أفكارًا، وصفها رئيس أساقفة تريستي، جامباولو كريبالدي الذي قدم الرسالة العامة بأنها “غنية بالمخيلة الإبداعية”.
افتتح كريبالدي مداخلته بالإيضاح أن “المساعدة الكبرى التي تستطيع الكنيسة أن تقدمها للتطور هي إعلان يسوع المسيح”، ومن هذا المنطلق تأخذ الاقتراحات التي تقدمها الرسالة العامة الثالثة للبابا بندكتس السادس عشر أهميتها. فالأب الأقدس لا يعالج الموضوع كعالم اجتماع أو كرجل اقتصاد، بل ينطلق من تقليد الكنيسة، ومن وجهة نظر الإيمان الرسولي. ولذا فهو يرمي عرض الحائط كل المزاعم التي أرادت أن تتكهن نوعًا من نظرية اقتصادية جديدة لإنقاظ النظام الرأسمالي يكون مبدعها الكرسي الرسولي.
الحق بالحياة والحرية الدينية
هذا وأشار كريبالدي أن الموضوعين الآخرين، إلى جانب الموضوع الاقتصادي، اللذين يتحدث عنهما البابا بشكل جديد وموسع هما “الحق بالحياة” و “الحرية الدينية”. مع أن الوثائق البابوية الأخرى السابقة قد تطرقت إلى هذين الموضوعين، إلا أن الرسالة العامة الجديدة تقدم جدة فريدة من خلال تبيان الربط بين التطور والتأثير السلبي الاقتصادي والسياسي الناتج عن تجاهل هذين المبدأين.
بكلمات أخرى، في الرسالة العامة “المحبة في الحقيقة” تضحي المسألة الأنثروبولوجية مسألة اجتماعية: “فالتناسل والحياة الجنسية، والإجهاض والقتل الرحيم، والتلاعب بالهوية البشرية والانتقائية الجينية، هي جميعها مشاكل اجتماعية ذاته أهمية أولية، وإذا تمت معالجتها انطلاقًا من منطق إنتاجي بحت، تلوث الحس الاجتماعي، وتدمر مفهوم القانون، وتصيب العائلة، وتجعل قبول الضعيف أمرًا عسيرًا”.
البيئة
هذا وتقيم الرسالة العامة الصادرة اليوم ربطًا حميمًا بين الموضوعين المذكورين أعلاه وموضوع الحس البيئي. يجب أن ننتقل إلى مفهوم نرى فيه موارد الطبيعة كهبة و “ككلمة مخلوقة”، وأن نعي أولوية “القبول” على “العمل”.
يجب تخطي المفهوم المادي الذي يعتبر الطبيعة فقط من ناحية مادية كنتيجة للصدفة والضرورة، وهي تجربة موجودة في أشكال مختلفة من الإيديولوجيات البيئوية الحديثة.
“فالالتزام البيئي لن يعطي ثمره بشكل كامل ما لم يتم ربطه بشكل منهجي بالحق بالحياة لكل كائن بشري”.
العقلية التقنية
وبالانتقال إلى موضوع آخر تتطرق له الرسالة العامة، شرح كريبالدي أن الرسالة العامة، على خطى رسالة يوحنا بولس الثاني “مزاولة العمل” (Laborem exercens)، تقوم بالتعمق بموضوع التقنية والتكنولوجيا من الناحية الأنثروبولوجية. والفكرة الأساسية التي تقدمها هي أنه أزمة الإيديولوجيات السياسية خلت السبيل واسعًا أمام إيديولوجية أخرى، إيديولوجية التقنية. بحيث أصحبت التقنية أسلوب تفكير. هذه العقلية لا تنفتح على مبدأ القبول، بل ترى كل شيء كفعل، وهي تتزاوج بشكل حميم مع العقلية العدمية والنسبوية.