بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الأربعاء 29 يوليو 2009 (Zenit.org). – بعد أن استعرضنا بعض الأخطاء الشائعة في حياة الصلاة، نلقي الآن نظرة إلى ما تقوله الأناجيل عن العذراء مريم، كونها معلمة وهيكل الصلاة والتقوى.

1.    صلاة الإصغاء

يتفق المعلمون الروحيون على أن الأهم في الصلاة، ليس الكلمة التي أوجهها أنا إلى الله – مع أن لها أهميتها – بل الكلمة التي يوجهها الله لي. كلمة الله كلمة فاعلة، تحقق ما تقول. القول والفعل لا ينفصلان في كلمة (لوغوس) الله. ومدخل إنجيل يوحنا يقول لنا هذا الأمر من خلال مقارنة بين "كلمة الشريعة" التي أعطاها موسى، و"الكلمة المتجسد" الآتي من حضن الآب: "لأن الله بموسى أعطانا الشريعة، أما بيسوع المسيح فوهبنا النعمة والحق" (يو 1، 17). الكلمة المتجسد يحقق فينا من خلال نعمته كلمة وصيته، ولهذا فنيره ليس نير شريعة ثقيل، بل نير عذب (راجع مت 11). وإذا دعانا، "فهو – بحسب ما يقول بولس الرسول – أمين أن يكمل العمل الصالح الذي بدأه فيكم".

صلاة مريم، كما نستشفها من مقطع البشارة، هي صلاة تتجاوز خطأ "الصلاة المونولوج" الشائعة. تظهر صلاة مريم في البشارة كإصغاء وتجاوب مع إرادة الآب، وكثقة بصلاح الله واستسلام لإرادته وقبول بمشروعه الخلاصي. صلاة مريم لدى لقائها بملاك الرب هي صلاة تود التمعن في فهم مشروع الله وكلية قدرته التي تفاجئنا دومًا – "كيف يكون هذا؟" – وأيضًا صلاة قبول، هو ليس مرادفًا للرضوخ الاستسلامي والخنوعي، بل الإذعان الواثق الذي يسلم كل شيء في يد الله ثقة منه بأن الله هو خيرنا الأعظم، وأن إرادته هي معين فرحنا الحق: "ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك".

ولكن، كما يمكننا أن نصرح بعدل، الملاك لم يكلم مريم كل يوم! فأنى لها – ولنا – أن نكتشف إرادة الله في حياتنا اليومية؟

يعدد المعلمون الروحيون عدة وسائل تساعدنا للإصغاء لكلمة الله في حياتنا. يجدر الذكر بأن هذه "الوسائل" لا تعمل انطلاقًا من منطق حسابي وصناعي، فنحن بصدد الواقع البشري المعقد، وأمام حريتان تلتقيان، حرية الله وحرية الإنسان، وذلك ضمن مسيرة نضوج تاريخي، وعقلي، وقلبي، ونفسي، وعاطفي، وروحي، ولذا يجب اعتبار هذه الوسائل في هذا الإطار الغني والمعقد.

* الضمير: الوسيلة الأولى للإصغاء هي الضمير الإنساني. فالضمير هو المقدس السري حيث يتم اللقاء بين الله والإنسان. إذا شبهنا الإنسان إلى الهيكل، فالضمير هو المقدس (بنظرنا، قدس الأقداس الحق هو القلب!). في الصمت، الخارجي، ولكن بشكل خاص الداخلي، نلج هذا المقدس ونستطيع بثبات وصدق نية واحتراز أن نصغي إلى "هدير" الحياة الإلهية التي تود التدفق فينا. ومثل حوض النهر، يحتاج الضمير إلى التنقية والاستعداد، وإزالة الشوائب والعوائق. يقول القديس أغسطينوس، المعلم العظيم للحياة الداخلية: "لا تخرج إلى الخارج بل عد إلى ذاتك، ففي الإنسان الداخلي تقيم الحقيقة" (Noli foras ire, in te ipsum redi, in interiore homine habitat veritas)

يقال أن شابًا جاء إلى أنبا من آباء الصحراء معبرًا عن عجبه: ماذا تفعل كل اليوم، وكل هذا الوقت وحدك؟ ما الذي يجذبك إلى الكثير من الصمت والتأمل؟ - لم يجب الأنبا بالكلام، بل أخذ الشاب إلى البئر القائم في وسط الصحراء في الواحة. ودعا الشاب إلى النظر إلى الماء بعد أن عكرها الناسك بحجر رماه فيها، وسأله: ماذا ترى؟ - لا شيء، أرى مياه عكرة ومضطربة. فدعا الناسك الشاب إلى الانتظار والهدوء. وبعد أن هدأت المياه، دعاه للنظر ثانية: ماذا ترى؟ - بدأ الشاب ينظر فإذا بوجهه ينعكس على صفحة المياه، وأمعن النظر وهوذا السماء تتألق زرقاء صافية خلفه. وشرح الناسك للشاب أنه عندما يبدأ الإنسان بالنظر في أعماق ذاته، للوهلة الأولى يجد اضطرابًا وتشويشًا، ولكن حالما يبدأ بالتركيز والتمعن يستشف نفسه المتعطشة إلى ملء الحياة والحب، ويرى نفسه منعكسًا في وجه الله والله منعكسًا في وجهه.

وعليه فإن ضميرنا، مقدس الله، يحتاج إلى تثقيف، وممارسة مستديمة للإصغاء وللهدوء لسماع صوت الرب. ولكن، بالطبع، الضمير وحده، بالرغم من أوليته، ومن كونه إطار التواصل الأول مع ذواتنا، ومع الله، إلا أنه لا يكفي ذاته، هناك حاجة لأمور ووسائل أخرى، سنستطلعها لاحقًا.