“لا بد لنا من عمل الخير وتجنب الشر”
أستانا، كازاخستان، الاثنين 27 يوليو 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي مداخلة الكاردينال جان لوي توران، رئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان، في ورشة العمل حول “القيم الأخلاقية والروحية، أخلاقيات العالم” خلال المؤتمر الثالث لقادة الديانات التقليدية في العالم الذي عقد في الأول والثاني من يوليو في أستانا.
***
إن الفكرة الأولى التي تخطر في بالي فيما أتبادل بعض الأفكار معكم هي أننا ننتمي جميعاً إلى أسرة بشرية واحدة. وهنا يجدر الاستشهاد بمقدمة إعلان المجتمع الفاتيكاني الثاني “في زماننا هذا” حول علاقات الكنيسة الكاثوليكية مع مؤمنين من ديانات أخرى: “واحدة هي أسرة جميع الشعوب، وواحدة هي جذورها، لأن الله هو الذي خلق الجنس البشري أجمع ليعيش على وجه المسكونة. واحد أيضاً هو هدفها أي الله الذي تشمل عنايته وصلاحه ومخطط خلاصه جميع البشر” (رقم 1).
تشكل وحدة العائلة البشرية الأساس الأسمى لتضامن شامل والأساس للبحث عن قيم أخلاقية مشتركة تثير لحسن الحظ اهتماماً متزايداً في أيامنا هذه.
وكثيراً ما يطرح هذا السؤال: “هل القيم الأخلاقية الموضوعية قادرة على توحيد البشر وتوفير السلام والسعادة لهم؟ كيف يجيب المؤمنون عن سؤال مماثل؟”
إن المؤمنين مقتنعون أن الأخلاقيات لا يمكنها فقط إبراز معايير سلوك وإنما يجب عليها أيضاً أن تصوغ الضمير البشري وتساعد على اكتشاف مطالب الشريعة الطبيعية: لا بد لنا من عمل الخير وتجنب الشر. إنه مبدأ أساسي يفرض نفسه على الجميع ويتيح فرصة الحوار مع الأشخاص من مختلف الديانات والثقافات.
لذلك، يجب أن نكون قادرين كمؤمنين على القول لإخوتنا الرجال والنساء أن قيمنا أساسية لهم في سبيل تعزيز التفاهم والتقدير المتبادلين والتعاون بين كافة أعضاء الأسرة البشرية.
يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 أحد أسمى أشكال التعبير عن ضمير التاريخ الحديث. لا شك أنه جعل الرجال والنساء في عصرنا يدركون ميراث القيم الملازمة للإنسان وكرامته.
مع ذلك، يجب أن يعطي المؤمنون نوراً جديداً من خلال تعليم أن الإنسان خلق على صورة الله. كلهم خلقوا متساوين. وكلهم نالوا من الخالق حقوقاً غير قابلة للتصرف منها حق العيش والحرية والسعي وراء السعادة.
وهكذا لا بد لنا من قياس تقدم العلوم والتكنولوجيا ليس فقط وفقاً لنتائجها بل أيضاً وفقاً لقدرتها على الدفاع عن خاصية الإنسان وعلى التأكد من هيمنة القيم الروحية الأساسية على ردات فعلنا الغرائزية.
لذلك كثيراً ما يذكر البابا بندكتس السادس عشر بنبل العقل الذي يتجلى من خلال السلوك البشري الحقيقي للفرد والمجتمع. لذلك من الضروري دوماً أن نتأكد أن الحقيقة تهيمن على الغموض في حياتنا. ولا بد من مقاومة النزعة إلى فصل حقوق الإنسان عن الأبعاد الأخلاقية والعقلانية.
يجب أن يتصرف المشترع بطريقة مسؤولة أخلاقياً لأن السياسة لا تستطيع التجرد من الأخلاقيات. كذلك لا يستطيع القانون المدني والشرعي التجرد من القانون الأخلاقي الأسمى.
يجب أن تشهد الحكم والفلسفات الدينية العظيمة لوجود إرث أخلاقي مشترك يشكل أساس كل حوار حول المسائل الأخلاقية. يعبر هذا الإرث عن رسالة أخلاقية شاملة يقدر الإنسان على فهمها. يختلف شكل واتساع هذه التقاليد وفقاً للثقافات والأوضاع لكنها تذكرنا بوجود إرث من القيم الأخلاقية المشتركة بين كل البشر. أذكر على سبيل المثال القاعدة الذهبية: “لا تفعلوا للناس ما لا تريدونهم أن يفعلوه لكم”، الموجودة بشكل أو بآخر في معظم تقاليد الحكمة.
على ضوء العقل، يتمكن الأفراد والجماعات من إدراك الاتجاهات الأساسية لسلوك أخلاقي متناغم مع طبيعة الإنسان نفسه.
أرجو أن تتمكن هذه الأفكار من فتح المجال أمام تأملنا بما أننا سنتبادل القناعات حول مسائل مهمة!
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009