صدى كلمة الله في حياة كل يوم

مريم وصلاة الإصغاء (2)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس  30 يوليو 2009 (Zenit.org). – ضميرنا، هو مقدس الله، الذي يحتاج إلى تثقيف، وممارسة مستديمة للإصغاء وللهدوء لسماع صوت الرب، كـ “صيانة روحية” لهذا العضو الروحي. ولكن، بالطبع، الضمير وحده، بالرغم من أوليته، ومن كونه إطار التواصل الأول مع ذواتنا، ومع الله، إلا أنه لا يكفي ذاته. والأمر لم يكن مختلفًا في حياة مريم العذراء!

إن وسيلة أخرى لـ “سماع” و “تمييز” إرادة الله في حياتنا هي الخليقة بالذات، هي الكون وعظمته، وأحداث الحياة اليومية، لقاءاتنا، خبراتنا، حوارنا مع المقربين والغرباء، الكلمات التي نسمعها من الآخرين.

يمكننا أن نقسم ما عددناه لتونا إلى قسمين اثنين:

القسم الأول هو الخليقة غير العاقلة: يقول لنا كتاب المزامير: “السماوات تنطق بمجد الله والجلد يخبر بعمل يديه” (مز 18، 1). والكتاب المقدس مملوء بالتصاوير التي تصل إلى فهم شيء من سر الخالق من خلال سر الخليقة. فكما أن الرسام والنحات يضع شيئًا من ذاته في كل من رسومه ومنحوتاته، هكذا الله طبع في الخليقة شيئًا من عظمته وإرادته ومشروعه. ولذا، بروح نبوي سبق الأزمة البيئية الحالية، كان القديس أفرام السرياني يدعو إلى الحفاظ على الطبيعة لأنها مرآة تعكس وجه الله. والقديس مكسيموس المعترف يعتبر العالم المرئي “تحفة فنية فريدة يجعل الله نفسه معروفًا من خلالها من خلال وحي صامت” (الآباء اليونان 41، 1328 أ). وفي الخط عينه قام تيار الدفاعية (Apologetica) بتقسيم الوحي إلى قسمين: الوحي الطبيعي (revelatio naturalis)، والوحي الفائق الطبيعة أو الإلهي (revelatio supernaturalis). موجز الكلام أن الخليقة بالنسبة للمؤمن ليست مجرد واقع طبيعي أبكم، بل هي تتحدث عن مجد الله وتكشف عظمته وقدرته. وفي دين مثل الدين اليهودي الذي تربت فيه مريم العذراء، حيث لا توجد ثنائية تفصل بين مبدأ الخير الروحي ومبدأ الشر المادي، بل تعيد الخليقة بأسرها إلى مبدأ واحد هو الله، كان لا بد أن العذراء – مع أن الأناجيل القانونية لا تأتي على ذكر ذلك – كانت ترى في الخليقة وتقرأ في صفحاتها شيئًا من سر الله الذي لا يسبر.

القسم الثاني هو الخليقة العاقلة: يقول البابا بيوس الثاني العشر أن القديسين هم “كلمة من الله”. والأنبياء، دون أن ندخل الآن في معارج التفاصيل اللاهوتية هم حملة كلمة الله إلى شعبه، ليسوا مبصرين، أو منجمين أو عالمين بالغيب، بل هم بشر يقرأون التاريخ والأحداث على ضوء كلمة الله، ويحوزون هذه القدرة من خلال حميمتهم مع الله. وكل مؤمن هو مدعو أن يكون نبيًا بالقدر الذي يريده الله له. الأمر الأكيد هو أن كل مؤمن هو مدعو أن يكون نبيًا في وجوده الشخصي، وأن يقرأ يستنبط من الأحداث المعنى الذي يريد الله أن يحمله إليه. في حياة مريم العذراء – بحسب ما يمكننا أن نرى في الأناجيل – هناك أشخاص ولقاءات كثيرة ساعدت مريم رويدًا رويدًا على التقدم في معرفة عمق مشروع الله الذي قبلت به في البشارة دون أن تدرك فورًا ودفعة واحدة عمقه الكامل. إن التعمق في فهم دعوتها الخاصة في سر الخلاص هو عمل دام طوال حياته، وقد التقت مريم في “قراءتها النبوية” لوجودها بعدة أشخاص وأحداث كانوا بدورهم “أنبياء” ساعدوها على التعمق في القراءة. نذكر من بين هذه اللقاءات اللقاء مع سمعان الشيخ في الهيكل، ومن بين الأحداث إيجاد يسوع في الهيكل بين العلماء. ويخبرنا الإنجيلي أن موقف مريم أمام هذه الخبرات كان: “وكانت مريم تحفظ هذه الأمور وتتأملها في قلبها”.

نرى في هذه الآية الخصبة تعاونًا بين الضمير الشخصي الداخلي والأحداث الخارجية لإدراك إرادة الله.

إلا أن هذين الأمرين، رغم واقعهما ووقعهما، قد يوقعا المرء فريسة تفسير مغلوط، فيُدخلاه في حلقة مفرغة يدور فيها حول ذاته بدل أن يميز إرادة الله. وبدل أن يصوغ إرادته بحسب إرادة الله يصوغ الله على صورة إرادته وأهوائه.

هل هناك وسيلة أخرى أكثر موضوعية لفهم كلمة الله؟ ولسماعها؟ هذا ما سنتطرق إليه في المقالة المقبلة إن شاء الله!

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير