العلاقة بين الطقس والكنيسة ذات الحق الخاص
بقلم الأب هاني باخوم
روما، الخميس 5 أكتوبر 2009 (Zenit.org) – استعرضنا في المقالة السّابقة ماهيّة الكنيسة ذات الحق الخاص (وتسمّى ايضاً الكنيسة الشّرقية الكاثوليكية) حسب القانون الشّرقي. ورأينا ان القانون الكنسي الشّرقي لا يدمج الطّقس في تحديد ماهيّة تلك الكنيسة. يهمنا اولاً في هذه المقالة تعريف ماهيّة الطّقس وعلاقته بالكنيسة ذات الحق الخاص.
1. ماهيّة الطقس
كلمة “طقس” ليست ابتكاراً مسيحياً، فالكلمة موجودة من قبل، ويُقصد بها ادارة و طرق تقديم الذّبائح. مع الوقت كلمة “طقس” بدأت تشير الى كيان مجموعة من النّاس في علاقتهم مع الله ومع الاشياء المكرّسة له، اي الكيان الديني لمجموعة من النّاس خلال العصور المختلفة. وكانت تشير ايضاً الى المجال اللّيتورجي؛ فتشير الى جزء من اللّيتورجيا، مثل طقس رش المياه في العماد، او طقس مزج الماء بالخمر في القداس، وايضاً تشير الى اجمالي الّليتورجيا مثل طقس العماد وتشير ايضاً الى اجمالي اللّيتورجيات لمجموعة من المؤمنين؛ فيقال الطّقس الرّوماني، او الطّقس القبطي..الخ.
اخذت كلمة “طقس”، ايضاً، معنىً قانونياً؛ فاصبحت تشير الى مجموعة العادات والتّقاليد بل والقوانين والتّشريعات لمجموعة معينة من المؤمنين.
بجانب كلّ ذلك اصبحت كلمة “طقس” مرادفاً لمجموعة المؤمنين الذين يمارسون ليتورجيا معينة حسب ما توارثوها، او يطبقون قوانين مختلفة عن غيرهم.
يتّضح لنا من كلّ هذا ان كلمة “طقس” كانت تشير الى معانٍ كثيرة ومختلفة عن بعضها البعض.
مع القانون الكنسي الشّرقي، اتّخذت كلمة “طقس” تعريفاً محدداً. فالقانون 28 البند 1 ينص على ان: “الطّقس هو التّراث الليتورجي واللاهوتي والرّوحي والتّنظيمي المختلف بالثّقافة وظروف الشّعوب التّاريخيّة، والذي يعبّر عن الطريقة الخاصة بكل كنيسة ذات حق خاص في حياة الايمان”.
من خلال هذا التّعريف يتّضح لنا ان القانون الشّرقي وجّه كلمة “طقس”، نحو التّاريخ وتراث الجماعة وتطورها. الطّقس لم يعد يشير الى التّنظيم الحالي للجماعة، بل الى التّراث الدّيني لجماعة ما؛ تراث ليتورجي ولاهوتي وروحي وتنظيمي ايضاً، ويجعلها على ما هي عليه الآن.
2. علاقة الطّقس بالكنيسة ذات الحق الخاص
القانون 27 عندما يُعرّف المقصود بالكنيسة ذات الحق الخاص، لا يتعرض للّطّقس ولا يُدخله في التّعريف القانوني. في الوقت نفسه لا نستطيع القول ان الطّقس لا علاقة له مع التّكوين الفعلي للكنيسة ذات الحق الخاص. من المؤكّد انه لا يوجد تطابق بين الطّقس والكنيسة ذات الحق الخاص. لكن باستطاعتنا القول ان الطّقس هو جذور نبتة معينة اثمرت عدة ثمار مستقلّة الواحدة عن الاخرى. فنلاحظ وجود اكثر من كنيسة ذات حق خاص تشترك في الطّقس نفسه. فعلاً هناك 21 كنيسة ذات حق خاص مع 5 طقوس فقط : الاسكندري، الانطاكي، الارمني، الكلداني والقسطنطيني، كما يحدده القانون الشّرقي (ق 28 بند 2).
فصل تعبير “الكنيسة ذات الحق الخاص” عن “الطّقس” هو تطور قانونيّ كبير ينبع من الاكليزيولوجيا (علم الكنيسة) الجديدة للمجمع الفاتيكاني الثّاني. هذه الاكليزيولوجيا تحث على اكتشاف اهمية وكرامة وغنى الطّقوس الشّرقية. فالطّقس عندما كان يشير (وبكل بساطة فقط) الى مجموعة من المؤمنين الذين يمارسون ايمانهم في ليتورجيات مختلفة عن الآخرين كان يغفل عن الكثير من الغنى الذي يحمله هذا الطّقس من ابعاد وتراث روحيّ ولاهوتيّ ونظاميّ والذي منه استقت اليوم، كنيسة ما ذات حق خاص جذورها، ونمت وتطورت.
المجمع الفاتيكاني الثّاني يعبر عن هذا الواقع بطريقة واضحة فيؤكد ما يلي:”لقد شاءت العناية الالهيّة ان تجمتع الكنائس المتنوعة التي أقامها الرّسل وخلفاؤهم في اماكن مختلفة، عبر العصور، وفي جماعات عديدة متّحدة ومنظّمة. وان تنعم هذه الجماعات بنظام خاص بها، وبخدمتها الطّقسيّة الذّاتيّة، وتراثها اللاهوتي والرّوحي، مع الحفاظ على وحدة الايمان وتكوين الكنيسة الجامعة الالهي والفريد. وان بعضاً من هذه الكنائس لا سيما الكنائس البطريركية القديمة قد لعبت دور امهات الايمان اذا انجبت كنائس اخرى، كبنات لها، يربطها بها حتّى الآن وثاق محبّة متين في عيش الاسرار، والاحترام المتبادل في الحقوق والواجبات” (نور الامم 23).
من خلال هذا الاعتراف الاحتفالي للكنيسة الجامعة بالطّقوس المختلفة، والكنائس الشّرقية الكاثوليكية المتّحدة لتكوين كنيسة واحدة جامعة، نستطيع ان نستقي عدّة نقاط مهمّة. منها:
– ان واقع تنوع وتعدد الطّقوس والكنائس الشّرقية الكاثوليكية ليس من رغبة بشر، او انقسام، بل هو سماح من العناية الالهيّة.
إن الايمان بالله الثّالوث يغير مفهوم الواقع بأكمله. فلم يعد مهمّاً ان يتبع الجميع نفس العادات، والطّقس، والتّرتيب، ومحو كل الاختلافات. المهم ان تظهر هذه النّعمة السّماوية، والتي هي عطية الرّوح القدس للّشّركة، وتُدخل كل هذه الطّقوس والكنائس المتعددة ذات الحق الخاص، في علاقة وشركة قائمة على وحدة الايمان والاسرار والاعتراف بالسّلطة الكنسية العليا.
عناية الله الاب بكنيسته، هي التي سمحت بهذا التّنوع والتّعدد. لتظهر الكنيسة كأيقونة للّثالوث: واحدة في التّنوع، شركة. ومن تلك الشّركة تنبع الشّهادة، شهادة لحب الله المتجسد، وعلامته الوحدة والمحبّة بين ا
لمؤمنين. شركة المؤمنين تظهر في شركة كنائسهم الشّرقية مع بعضها وايضاً مع الكنيسة اللاتينية وبالتّالي مع الكرسي الرّسولي.
– يذكر نص المجمع الفاتيكاني الثّاني شيئاً مهماً ايضاً، وهو علاقة الطّقس، وارتباطه بالكنائس البطريركية القديمة، اي بالكنائس الشرقية الكاثوليكية الحالية؛ علاقة ام ببناتها، انجبتهم بالايمان وفي الايمان، وتبقى بينهم حتّى الآن هذه العلاقة من المحبة والاحترام المتبادل، على اساس احترام الحقوق والواجبات.
لذا فالطقس وان كان لا يُذكَر في التعريف القانوني للكنائس ذات الحق الخاص، او الكنائس الشّرقية الكاثوليكية، حسب القانون الشّرقي، يظلّ هو المصدر الذي تستقي منه كل كنيسة ذات حق خاص وجودها.
هذه الكنائس الشّرقية الكاثوليكية تختلف عن بعضها، حسب فئاتها، وحسب علاقتها بالسّلطة الكنسيّة العليا، اي بالكرسي الرّسولي. فما هي فئات الكنائس الشّرقية الكاثوليكية؟ وكيف هي علاقتها مع الكرسي الرّسولي؟ هذا ما سنراه في المرة القادمة.