بيروت، لبنان، الجمعة 19 مارس 2010 (Zenit.org) – إن مستقبل السلام في الشرق الأوسط يتوقف على خلق مجتمع يتعايش فيه اليهود والمسلمون والمسيحيون بسلام.
يحمل لبنان وعداً استثنائياً في هذا المسعى، لكنه يعاني من موجات الرعب والحرب المتكررة التي تحصل داخل حدوده وكثيراً ما تنتج عن تدخل أجنبي.
في هذه المقابلة التي أجراها البرنامج التلفزيوني “حيث يبكي الله” الذي تبثه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع، بالتعاون مع عون الكنيسة المتألمة، يتحدث الأب بول كرم عن وضع لبنان الخاص وعن سبب التحلي بالتفاؤل.
الأب كرم هو لبناني يشغل حالياً منصب المدير الوطني للجمعية التبشيرية الحبرية في بلاده.
فيما كان يدرس القانون والعلوم السياسية في الجامعة في لبنان، شعر بدعوة الله و”خاض هذه المغامرة الرائعة ليصبح كاهناً”.
بعدها، درس خدمة الشباب والتعليم الديني في الجامعة الساليزية في روما، بمنحة دراسية من عون الكنيسة المتألمة.
س: حضرة الأب، أود أن أتحدث قليلاً عن الوضع الراهن في بلادكم. أنتم الذين ترعرعتم في لبنان شهدتم موجات العنف المتكررة في شتى أنحاء البلاد. لمَ يعاني لبنان من هذا العنف المتكرر الذي يضرب البلاد؟
الأب كرم: هذا هو السؤال الذي قد أطرحه أنا أيضاً. كل الشعب اللبناني يتساءل: لمَ يجب على لبنان أن يضحي؟ لمَ يجب على لبنان أن يسدد ديون الآخرين؟ إنه سؤال وجيه لا جواب عنه لدي… شخصياً، ترعرعت خلال الحرب الأهلية في لبنان. أتذكر أنني كنت أختبئ في صغري في إحدى غرف المنزل لأن القذائف كانت تسقط على مقربة منا. وخلال الحرب، تسببت قنبلة بقتل أحد أنسبائي وهو جدي. كانت توجد في بعض المناطق أراضٍ مزروعة بالألغام الأرضية، وكنا نسير حول هذه الألغام لأنها كانت منتشرة في كل مكان. إنها محنة يصعب نسيانها، لكنها لم تثبط همتنا بل منحتنا المزيد من الشجاعة للتطلع إلى المستقبل على الرغم من مصاعب تلك الفترة ومشقاتها.
س: هل يشعر اللبنانيون بالمرارة أو بالغضب بسبب الأحداث السياسية الخارجة عن سيطرتهم؟
الأب كرم: كثيرون منهم شعروا بالألم لا بالغضب، لكن السؤال عينه يبرز: لمَ لبنان؟ لمَ تعيش بلدان أخرى في سلام وتنعم شعوبها بالاستقرار على خلاف اللبنانيين؟ هذا يؤثر بخاصة في الشباب الذين يختارون الهجرة؛ هم (الشباب) الذين يثرون الكنيسة يغادرون فتتقلص ثروتها.
س: لمَ يبدو أن أحداث المشهد السياسي تدور فقط على الأراضي اللبنانية؟
الأب كرم: لا بد من العودة إلى التاريخ لفهم الوضع في لبنان. أنتم تعرفون أن لبنان بلد صغير تبلغ مساحته فقط 10452 كلم2. تكمن أهمية هذا البلد في موقعه الجغرافي: يقع في منطقة البحر المتوسط، وتحده من الجنوب فلسطين وإسرائيل، ويملك أكبر حدود مع سوريا، فيما تقع تركيا شمالاً. كما أن لبنان بلد يضم 18 طائفة منها المارونية والملكية والسنية والشيعية والدرزية والأرمنية وطائفتي الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك وغيرها. كلها معترف بها في الدساتير. هذا هو معنى الطوائف. كلها تتعايش مع بعضها البعض منذ سنوات عديدة.
س: حضرة الأب بول، تزعزع الاستقرار السياسي في لبنان في الماضي بفعل عدد من الاغتيالات منها بخاصة تلك التي طالت زعماء مسيحيين. برأيكم، كيف سيصمد الاستقرار السياسي في لبنان في وجه هذا الاعتداء، وكم ستدوم هذه النية الحسنة؟
الأب كرم: بالطبع أن الكنيسة تدين بشدة هذه الاغتيالات التي تشكل لنا نحن المسيحيين بخاصة أسىً شديداً لأن عدداً كبيراً منها يستهدف زعماء مسيحيين. ونتساءل عن سبب استهداف الزعماء المسيحيين فقط وعن سبب حصول ذلك فقط في المناطق ذات الأكثرية المسيحية. لا أملك جواباً عن هذا السؤال. وأعتقد أن هذا هو جزء من الأزمة السياسية. كما أرى في ذلك سبيلاً للضغط على المسيحيين من أجل الخضوع. وكما تعلمون، فالتاريخ يشهد أن المسيحيين هم الذين أتاحوا للبنان فرصة التحول إلى بلد ديمقراطي، منهم بخاصة الموارنة المسيحيين. والمسلمون يدركون هذه الحقيقة جيداً لأن المسيحي رجل حرية واحترام وسيادة.
لا أستطيع التأكيد لأنني لست سياسياً، ولكن بعض الناس ربما يشعرون بالغيرة لأن لبنان – البلد الصغير – ديمقراطي، ويرغبون في بث الرعب والموت بين الناس وإجبارهم على الخضوع. لكن المسيحيين خاصة واللبنانيين عامةً لن يرضخون أبداً. لبنان بلد سلمي، والشعب اللبناني مفعم بالأمل والسلام ويرغب في التوصل إلى هذا السلام كأي دولة أخرى.
أعتقد أن رسالة البابا يوحنا بولس الثاني وكلماته خلال السينودس الخاص بلبنان كانت نبوية عندما قال أن لبنان أكثر من بلد وأنه رسالة للشرق والغرب. هذا الواقع يغيب في البلدان المحيطة بنا أو في بلدان الشرق والغرب. فالبلدان الأخرى تتمتع بنظام ديمقراطي لكنها لا تضم طوائف متعددة كلبنان.
س: هل يؤدي المسيحيون دور جسر في مجتمع قد لا يتواصل فيه السنة والشيعة مثلاً وإنما تبنى فيه علاقة ما نتيجة لوجود المسيحيين؟
الأب كرم: إن المسيحيين هم هذا الجسر إن أردت لأنه من الشائع جداً إيجاد أماكن يعيش فيها المسيحيون والمسلمون مع بعضهم البعض. ومن النادر إيجاد منطقة يعيش فيها السنة والشيعة والدروز مع بعضهم. لكونه منفتحاً، يملك المسيحي القدرة على التحاور مع الآخر ومحبة الحياة، وهذا ما يجعل اللبنانيين مفعمين بالحياة والطاقة. لو دمرت منازلهم، لوجدتهم في اليوم التالي يعيدون إعمارها. وهذا ما يميز بخاصة اللبنانيين المسيحيين.
يجب على اللبنانيين المنتشرين في ش
تى أرجاء المسكونة ألا يفقدوا الرجاء بل أن يتطلعوا إلى لبنان جديد يتعايش فيه الجميع. هذا هو لبنان. فالمسألة لا تتعلق فقط بالعيش في هذه المنطقة أو في غيرها، وإنما بوجودنا (المسيحي اللبناني واللبناني عامة) وبمعنى وجودنا هنا. والسبب الآخر بيبلي إذ أن لبنان مذكور في الكتاب المقدس أكثر من 70 مرة. هنا تكمن رسالتنا حسبما أعتقد، أي أن نكون موجودين فيه بين المسلمين. تقوم رسالتنا نحن المسيحيون اللبنانيون على إظهار محبة الله وخلق حوار بين كافة الشعوب، والقول بأننا نحب العيش في بلد يعمه السلام، دعونا نعيش بسلام.
س: إذاً أنتم متفائلون؟
الأب كرم: أنا متفائل جداً على الرغم من كل المصاعب التي تواجهنا. أنا متفائل ومؤمن ببلادي وأقول لكل اللبنانيين الذين سيستمعون إلينا أو المستمعين إلينا الآن أنهم أصحاب رسالة ولا بد لهم من التوحد ومطالبة الأسرة الدولية والضغط عليها لحل الأزمة اللبنانية وحل الأزمات الأخرى في المنطقة إنما ليس على حساب لبنان. لا نستطيع أن نتحمل إلى الأبد نتائج هذا الصراع في المنطقة. فلا يستطيع لبنان أن يتحمل الصراع العربي، الصراع الفلسطيني العربي، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
دعونا نعيش بسلام، لدينا رسالة نقوم بها وأعتقد أن ذلك سيكون مثلاً صالحاً للمنطقة جمعاء. في الماضي، كان يقال أن لبنان هو “سويسرا الشرق”. هذا صحيح، لذا لا بد لنا من التمتع بالسلام والسيادة والكرامة، وجعل بلادنا مثلاً جيداً للبلدان الأخرى.
لا يستطيع لبنان أن يكون للمسيحيين فقط أو للمسلمين فقط. هذا مستحيل! سيعيش لبنان دوماً بهذين الجناحين، الجناح المسيحي والجناح المسلم اللذين يسمحان بالتحليق، الأمر الذي يبدو مستحيلاً بجناح واحد. لذلك يجب علينا (نحن اللبنانيون المغتربون والمقيمون في لبنان) أن نبقى موحدين وألا نسمح لأحد أن يتدخل بمشاكلنا الداخلية، وأن نؤمن بأننا قادرون معاً على تحقيق المعجزات وتقديم شهادة حقيقية للمنطقة جمعاء.
***
هذه المقابلة أجراها مارك ريدمان للبرنامج الأسبوعي المرئي والمسموع “حيث يبكي الله” الذي تنتجه الشبكة الكاثوليكية للإعلام المرئي والمسموع بالتعاون مع الجمعية الخيرية الكاثوليكية الدولية “عون الكنيسة المتألمة”.
على شبكة الإنترنت:
للمزيد من المعلومات: www.WhereGodWeeps.org
نص المقابلة الكاملة: www.wheregodweeps.org/lebanon-s-christian-example
نقلته إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)