ما بين الجلجلة والقيامة

بقلم راجي الراعي*

روما، الثلاثاء 30 مارس 2010 (Zenit.org). – أيّها الراقدُ في أحضانِ الله، يحلُمُ حُلمَ الأزل.

      أيّها الملكُ الأكبرُ الجالسُ على عرشِ الموتِ، المتوَّجُ بالأشواك.

      أيّها المُشترعُ الذي خطَّ شريعةَ التضحيةَ واتخذَ لها الصليبَ قرطاساً، والمِسمارَ قلماً، ودمَ الشوكِ مداداً.

      أيّها العاصرُ قلبه خمراً في كأسِ الخليقة.

      أيّها الذي يمتزج بالقرون ويوآخيها، ويريد الإنسانيَّة سيدةً وتأبى أنّ لا تكون عبدةً، ويحاول أنّ يدنيَ الناس من الآلهة وهم يعشقون التراب. وأنّ يحطِّم سيوفهم وهم يشحنونها.

      أيها الفاتحُ بسيفٍ أراده صليباً.

      أيّها الباسطُ ذراعيك على الصليب كأنَّهما جناحان يتجاذبهما الموتُ والخلود، والأكوانُ تعول من حولك والخليقةُ ترتعش والظالِمُ يحسبُ أنّه فاز والخائن يضْحَك وأنتَ صابر.

      أيّها المعلِّمُ الأكبر الذي قال كلمته وتلا انجيله فشَعَرَ الإنسانُ أنَّ له خيالاً وضميراً وكرامةً. 

      أيّها المسيح !

      في هذا اليوم تنقلبُ الكرةَ الأرضيَّةَ كرةَ مدفع، تنطلق تحت قدمَيك الداميتَين اكباراً واجلالاً وتتوارى الشمسُ وينطفئ النورُ في كلِّ كوكبٍ ونجمةٍ !

      إنَّ هذا اليوم هو يوم الظلم والغدْر والخيانة والشرّ والظمأ إلى الدم الزكي، يومهم… وغداً يومك… غداً تنفضُ عنك الأكفانَ وتنهض من القبرِ فتضعهم بكفِّ السماء وتنتضي صليبك سيفاً يؤدِّبهم. 

      أيّها المسيح !

      هذا الصليبُ هو انجيل أناجيلك وآية آياتك، هو لوحة النجاةِ كلَّما أشرقْت السفينة على الغرْقِ في بحرِ الحياة.

      أيّها السيّد ! أنتَ الآن في لحدِك وفي الناس من لا يزال مُلحِداً ومَن يُلحِد الآن بريئاً لا ذنب له إلاّ أنَّه على حقّ !

  أنتَ في الترابِ في هذه الساعة وفي الناس مَن لا يلذ له في هذه الساعة إلاّ أنّ يهيله على رؤوس الأنقياء الصالحين الذين مُتَّ باسمهم وعلى جبين الحقّ الذي تواريتَ ليظلَّ شامخاً !

      أنتَ على الصليب لتفتدي الخلقَ وفي الخلقِ مَن لا يفديك ومَن يمرُّ بكَ حاملاً السيفَ البتّار والمعولَ الهدّام والمطرقةَ الساحقة وبين جنبَيه تتلّوى الأفاعي وعلى يدَيه أثر الدمِّ وفي فمه كلمة ُ يهوذا !!!

      أنتَ الآنَ بين الصليب والقيامة تتأهَّب للنهوض وها هي روحك في ظلال الموت تجتاز الهزيعَ الأخير من ليلِ آلامِكَ وبعدَ ساعاتٍ ينبلج فجُر القيامة. لإنَّك لم تضجع في القبر إلاّ لتحلم حلمَكَ الأكبر وها هو نسيج حلمك بدأتْ تظهر فيه خيوط الفجر.

      ها هو حجرك يثوب إلى رشده ويكفُّ عن الخيانة ويتفتت في يدك الجبّارة التي أخذت أصابعها تمزِّق الكفن.

      وأنا الجاثمُ بين يدَيك الآن أعدُّ الدقائق التي تفصل بينك وبين قيامتك، المُترقِّب تلك اللحظة الخالدة التي ينقلب فيها الحجر عن جلالك، أنا السائر في حلمك، المُتجلبب برداءك، الحامل صليبك سأكون أوَّلَ الواقفين إلى جانب المجدليّة حو ذلك الحجر… 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

 

* شاعر وأديب زحلاوي                                              

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير