بقلم الأب هاني باخوم
روما، الثلاثاء 30 مارس 2010 (Zenit.org) كان من المفروض ان أتكلم هذه المرة عن الكلمة الخامسة للمسيح. لكني فضلت ان أتوقف لحظة. بقي المسيح، حسب المفسرين، من ثلاث الى خمس ساعات على الاقل على الصليب. وفيها قال سبع كلمات. من الاكيد كان بينها لحظات، او ساعات صمت. هذا الوقت الصامت سأستفيد منه كي اقرأ من جديد الكلمات الاربعة الاولى. سأقرأها ليس ككلمات منفصلة بل ككلمة تعطي الواحدة الاخرى.
نعم، من كلمة الى كلمة، من واقع الى اخر ليس منفصلا عنه بل مرتبط به. كلمات المسيح السبع هي طريق، لكن الى اين سيحملنا؟ طريق مميز بعلامات توضح مكان الوصول؟ لكن الى أين؟ سؤال عميق، الى أين نحن ذاهبون؟ ايضاً توما سأل الرب: “ياربّ، اننا لا نعرف اين تذهب، فكيف نعرف الطَّريق؟” (يو 14: 4). فلنرى اولاً من اين ننطلق كي نعرِف الى اين سنصل.
الانسان عند صليب المسيح وصل الى قمة الشر. هناك الخطيئة اكتملت ونضجت لدرجة انها استطاعت ان تستوجب موت ابن الله. يسوع المسيح امام بيلاطس، اثناء الحكم، كان يستطيع ان يخلص نفسه اذا هاجم من اتهموه بالزور. كان يستطيع ان يخلص نفسه لو اظهر خطايا رؤساء الكهنة واليهود، والتي كان يعلمها. لكنه لم يَرِد ان يخلص نفسه. لانه اذا خلص نفسه كان سيُهلك الكثيرين.
وصلت الخطيئة وتحالف قوى الشر الى هذا الحد؛ احد يجب ان يموت عن الاخر. كان محقا قيافا رئيس الكهنة عندما قال لرؤساء اليهود: “أنه خير لكم أن يموت رجل واحد عن الشعب، ولا تهلك الامة بأسرها” (يو 11: 49). قال حكمة وإن كان لم يقصدها، لان قصده كان سياسيا؛ موت المسيح كان كي لا يهلك الشعب كله. لذا لم يدافع المسيح عن نفسه، لانه كان يعلم ان دفاعه عن نفسه يعني هلاك الامة كلها.
هذا شىء ليس ببسيط، مهم ان نتوقف لحظة. نعم خطيئة الانسان تحت الصليب وصلت لدرجة عظيمة. تحالفت قوى الشر سوياً. تحالفاً لم يتم من قبل؛ حتى وقت خطيئة أدم، حتى قبل الطوفان مع نوح، حتى عندما صنع الشعب عجلا وسموه الله وعبدوه، هنا اكثر من ذلك. حتى عندما حاد ملوك الشعب عن مشيئة الرب في أوقات كثيرة كداود وسليمان، وبدأ الكهنة يخدمون انفسهم والانبياء يتنبأون لمصالحهم ، هنا اكثر بكثير. حتى عندما قتل هيرودس الاطفال الابرياء، وبالرغم من بشاعة هذا الحدث، هنا يوجد شر اكثر بكثير. هنا الشر وصل لدرجة ان يتخلص الانسان من الله بالذات، ان يقتل ابن الله. هنا، تحت الصليب، اجتمعت كل قوى الشر، حتى الشر الذي نراه اليوم. هناك كان ايضاً مجتمعا. وأمام هذا نسمع كلمة المسيح الاولى: “يا ابتِ اغفر لهم، لانهم لا يعلمون ما يفعلون” (لو 23: 34).
الكلمة الاولى هي طلب المغفرة لكل البشر الذين وصلوا الى هذا الشر. لانه فقط بالمغفرة ممكن ان يولد الانسان الجديد. فكي يولد الانسان ويصبح ابن الله، يحتاج ان ينال المغفرة. ان تُعرض عليه المغفرة، مغفرة الخطايا، مغفرة لهذا الشر العظيم. كي يولد الانسان من جديد لا يجب عليه ان يقوم بقائمة اعمال او اخلاقيات، هذا سوف يأتي لاحقا. كي يولد الانسان للطبيعة الالهية يحتاج مغفرة ورحمة.
وبعد المغفرة يعطي الرب شيئا اخر للانسان: وعدا! نعم، وعد من اجله يحيا الانسان. فيقول يسوع: “اليوم ستكون معي في الفردوس” (لو 23: 43). هذا هو الوعد المعطى لكل من يقبل المغفرة. وعد بحياة ابدية. وعد بالنعيم الذي يبدأ من اليوم.
والوعد يتحقق في رحم الكنيسة. فالمسيح يرسل الكنيسة كأم لمن يقبل هذا الوعد كي تلده للحياة، وتنمي فيه هذا الوعد. ويقول لمن يقبل الوعد، الان لديك أم سترعاك. نعم، يقول المسيح: “أيتها المرأة، هذا ابنُك. و لَلتِّلميذ: هذه أُمُكَ” (يو 19: 26).
وان بدأ هذا الوعد يختفي مع صعاب الحياة. ونرى اننا اليوم بعيدون كل البعد عن هذا الفردوس بل بالاحرى اننا قريبون من الجحيم؛ جحيم الظلم، جحيم خطايانا وعيوبنا الشخصية، جحيم شر الاخرين تجاهنا، او شرنا تجاه الاخرين. هذه الكنيسة تقيمنا بأسرارها من جديد، تلدنا من جديد، وتنمي فينا الثقة بمن لا ينكر وعده؛ بالآب. تعلمنا ان نقول: “الهي الهي لماذا تركتني؟”. بكل ما تحتويه هذه الكلمة من ثقة في الآب كما رأينا من قبل.
في هذا الطريق، تجاه الفردوس، تجاه هذا النعيم. نحتاج لمعزي. لمن يشهد في قلوبنا اننا ابناء الله. هذا ما نحتاجه. ………للكلمة الخامسة.
زمن صوم مبارك.