بقلم المطران ابراهيم ابراهيم راعي أبرشية المخلّص الملكية – كندا
روما، الجمعة 12 نوفمبر 2010 (zenit.org). – إلى أبنائنا الشباب، لفتت نظري مقولة لغبطة أبينا البطريرك غريغوريوس الثالث لحام يتوجه فيها إلى الشباب بقوله “كنيسة بدون شباب هي كنيسة بدون مستقبل، وشباب بدون كنيسة هو شباب بدون مستقبل”.
تبدو قاسية بعض الشيء هذه الكلمات لكنها تحمل في أعماقها معانٍ عظيمة وحكمة صائبة، يدفعانني إلى ترداد هذه الكلمات على مسامع شباب أبرشيتنا في الأصقاع الكندية. صحيح أن الشباب هم مستقبل الكنيسة، لكنه صحيح أيضاً أن الكنيسة هي مستقبل الشباب. لقد قلت مراراً لشبابنا إنهم قوة هائلة إذا ما استخدمت في الكنيسة، في خدمة المسيح والنفوس والمجتمع، فإنها تكون قوة تغييرٍ تدفع دون أي شك الكنيسة نحو مستقبل مزدهر على كل الصعد وخاصة على صعيد حمل بشرى الإنجيل إلى أنحاء الأرض كافة. لكننا نرى أن قوة الشباب اليوم ينقصها التمييز بين ما هو مفيد لها وبين ما هو مدمر.
إنها قوة ليست على الدوام في مكانها الأفضل ولا تثبت دوما على المسار الصحيح. إنها قوة تتحول أحياناً إلى قوة هدم لذاتها ولمحيطها. أمام هذا الواقع الذي يبدو أحياناً أليماً يحتاج الشباب إلى قوة أقوى من قوتهم بكثير وطاقة أقوى من طاقتهم بكثير، قوة عمرها من عمر المسيح وجذورها تمتد آلاف السنين. إن كنز الشباب يغرف من كنز الكنيسة كما أن كنز الكنيسة يزداد غنىً بكنز الشباب الدائم التجدد. ولكي نفهم أكثر هذه المعادلة المنطقية نأخذ مثلاً من حقل العلوم، فطالب الطب لا يمكن أن يغني الطب قبل أن يغتني منه أولاً. وعالم الفيزياء أو الكيمياء أو الهندسة أو الفيلسوف وعالم النفس وغيرهم من أرباب العلم لم يولدوا أبداً على القدر الذي وصلوا إليه اليوم بفضل غرفهم من بحور هذه العلوم المتنوعة. وما يصح في هذه الحقول العلمية ينطبق أيضاً على العلاقة المميزة بين الشباب والكنيسة. لذا فإنه من غير الممكن أبداً أن تأخذ الكنيسة من الشباب مقدار الثروة التي يستطيع أن يأخذه الشباب منها.
وعندما نركز على أهمية الشباب لحياة ومستقبل الكنيسة دون التركيز على أهمية الكنيسة في حياة ومستقبل الشباب فإننا دون شك نرسم صورة مشوهة عن حقيقة هذه العلاقة المميزة بين الشباب والكنيسة، وقد نُظهر الكنيسة معاقة، ضعيفة، عاجزة ومصابة بالإفلاس أمام احتياجات الشباب خصوصاً والمؤمنين عموماً. وعندما نتكلم عن الشباب فإننا نتذكر الكهنة والرهبان والراهبات الشباب الذين أدركوا محدودية طاقاتهم أمام عظمة خزانة التاريخ التي ربطت الأرضيات بالسماويات والتي هي الكنيسة. إنني أُحرّض الكهنة وكل العاملين مع الشبيبة على عيش هذه الشهادة في علاقتهم المميزة مع الكنيسة.
والويل لنا إذا اقتنعنا في يوم من الأيام بأن الكنيسة عجوز وضعيفة وبأنها من دوننا ستموت. إن هذه القناعة ليست إلا قناعاً من أقنعة الكبرياء الذي إذا ما أصاب نفساً أفسدها، وإذا ما اجتاح قلباً دمّره وإذا ما سكن فكراً أمرضه. الكنيسة بمحبة فائقة تلتمس حضور الشباب فيها كما تلتمس الأم حضور أبنائها حولها. ومهما عظم شأن من ليس له أماً فإنه يبقى في عمق أعماقه يتيم ذلك الحنان اللامحدود الذي ينبع من قلوب الأمهات. من منا ينتظر أن تمتد يد أمه لتشحد منه رغيفاً إذا ما أصابها جوع؟ ومن منا يرغب أن تبقى أمه في حالة حاجة إليه إذا ما فقدت كل معيل ووقعت في عوز؟ أنا أظن أن الأولاد الصالحين يذرفون الدموع لمجرد تخيلهم أن أمهم في ضيق.
هذه هي الكنيسة بالنسبة لنا: أمٌ فائقة القدرة لكنها في عوزٍ دائم لحضور أبنائها حولها على مائدة اللقاء بالله. أمّ لا يحزنها إلا ضياع أبنائها في عتمة دروب هذه الأيام الحرجة. أمٌ تشتاق بكل كيانها إلى أبنائها الذين انشغلوا عنها بهموم العمر الصعب وأفراح الزمن العابرة.
أيها الشباب: أمكم ليست ضعيفة لكنها تشتاق إليكم بكل قواها فلا تخذلوها!