بقلم إميل أمين
القاهرة، الاثنين 08 نوفمبر 2010 (Zenit.org) – يعد الدكتور محمد الرميحي احد اهم علماء الاجتماع العرب والخليجيين في العقود الاربعة الاخيرة ، والمؤكد ان اوضاع المسيحيين العرب في منطقة الخليج سيما بعد ما جرى من تفجير آثم لكنيسة سيدة النجاة في العراق ، تتطلب قراءة المشهد باعين الاختصاصيين من اهل الفكر وعلم الاجتماع ، في هذا السياق كان لنا مع استاذ الاجتماع الكبير هذا اللقاء ليحلل برؤية ثاقبة من أين والى أين نمضي :
بداية كيف تقرأ الحالة الذهنية العربية ما بين العلمانية والأصولية .. والى أي كفة يميل الواقع ؟ ولماذا ؟
نحن في مازق فكري منذ زمن بعيد، وهو يتلخص في ان البعض اشاع في الفضاء الثقافي العربي مقولة ان " العلمانية" ضد الدين، وارى ان ذلك ناتج من في جزء منه من الحرب الباردة ( الراسمالية ضد الشيوعية ) وايضا ناتج من الانسداد السياسي الذي كانت تطالب به فئات اجتماعية مستنيرة. فاكبر سد فكري امام هذه المطالبة هو القول ان هؤلاء " علمانيون كفار" ، كان هذا قد تزامن مع الثورة الايرانية .لم تكن الدول بعيدة عن هذا ، حيث اعتقدت ان التحالف مع الاصولية ينجيها من مغبة مواجهة المطالب الاجتماعية السياسية. ولعل ما حدث في افغنستان ابان الحرب ضد الوجود السوفيتي وتحالف قوى محافظة مع مصالح دولية، جعل من احتضان التشدد وسيلة لاصطياد اكثر من عصفور في وقت واحد. متخطية ما يعرف في علم السياسة اليوم بان الخطوات السياسية غير المحسوب نتائجها قد تاتي بنتائج سلبية لمطلقها بعد حين،وهذا ما حدث. فقد انقلب المتشددون على من اطلقهم بعد حين.
بعين عالم الاجتماع ما هو وضع الحالة الدينية في الشرق الأوسط بشكل عام .. هل هي تدين عقلاني مجرد ام شعبوي عاطفي ينحو لجهة القبلي ؟
الدين – في رايي – محايد . انما توظيف الدين هنا هو المهم. الدين الاسلامي مثلا ان اردت ان ترى فيه منظومة التسامح سوف تجدها، وان جردت بعض نصوصه من اهدفها الكبرى، سوف ترى انه يمكن استخدامها لاشاعة التعصب. فاسلام الازهر غير اسلام بن لادن، على سبيل امثال لا الحصر، كما هو في بلد مثل ايرلندا الشمالية وظفت الكاثوليكية لغير اهدافها وزرعت البغضاء بين ابناء الدين الواحد ( المسيحية) وكذلك في الاسلام، فهناك محاولات لاشاعة المواقف السياسية المتناقضة بين بعض العرب وبين ايران، على انها شرخ بين الشيعية والسنية. وكل من اراد ان يصطاد في هذه البحيرة الراكدة، لخلوها من استحدام العقل ، يستطيع ان يفعل. في الذهن رسالة جون لوك في التسامح، لما وجد الخلاف المذهبي بين البروتستانت والكاثوليك، كتب تلك الرسالة المهمة في التسامح، ومرادها ان لا البروتستانت سوف يخرجون من التاريخ ولا الكاثوليك، رغم كل الدماء التي نزفت، وفي راي هذا ينطبق اليوم على حالنا فلا يستطيع اهل الاسلام ان يخرجوا المسيحيين من التاريخ او الوجود، ولا العكس صحيح، وهذا ينطبق على اهل الخلاف في الاسلام انفسهم، اقصد الشيعي السني. هناك قصور رهيب في التعليم من جهة وهناك توظيف يكاد يكون ( اجراميا) لهذا الخلاف، في بحر من الجهل والجهالة، تحوطه ايضا مصالح فئات مختلفة تتغذي – سياسيا او اقتصاديا – على كل ذلك.
ما هي قراءتك التاريخية للحضور المسيحي العربي في المنطقة العربية منذ القدم ؟
لا يستطيع عاقل ان يمسح بزخم عاطفة مساهمات المسيحيين العرب في الحضارة الثقافة العربية منذ فجر التاريخ. يكفي ان نرصد القول القراني (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى .....) بالطبع هناك نصوص اخرى قد تكون مخالفة، الا اننا نتبع القاعدة الفقهية التي تقول ان الاصل في الاسلام هو التسامح .( وادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي احسن ) تلك هي القاعدة العام التي تؤيد ( المودة ) بين النصارى والمسلمين . لقد قامت النهضة العربية الحديثة على مجهود عدد كبير من المسيحيين الشرقيين، كما قدموا خدمة لاوجه كثيرة من وجوه العالم والحضارة واللغة .
هذا الحضور المسيحي بات مهددا بالفناء .. ما هي تبعات هذا الزوال على المجموع الإسلامي ؟
مع الاسف الحضور المسيحي الان – في هذه الفترة التاريخية – في وضع حرج في الكثير من الدول العربية. الا اني اعتبر هذه المرحلة اولا استثناءا وثانيا مرحلة قصيرة. علينا جميعا – اقصد المستنيرين العرب – ان نشد ازر التسامح ونشجب اشكال التعصب من اي فريق جاءت، انما استنزاف المسيحيين العرب من ارضهم خسارة كبيرى على الحضارة العربية الاسلامية لا تعوض.
لماذا يتصاعد منحى الإسلام السياسي ولاحقا الأصولي وتختفي التيارات القومية والعلمانية العربية ؟
الاسلام السياسي تيارات وفرق، هناك المتعصب، وهناك السياسي، والمتعصب هو كاره لنفسه اولا ثم كاره للاخر المختلف ( قد يكون اليوم مسيحي وغدا جاره في الحي ) فالكره لا حدود له او سقف. الفشل الذريع في التطور السياسي، وتقاعس النخب في الدفاع عن المنطلقات الانسانية ، لعدد من الاسباب اما لمصالح سياسية او غيرها ، كما ان قصور التعليم وفشل التجربة العربية في التحرر، كلها من بين امور اخرى ساهمت في هذا التوجه التعصبي الذي لا يضر بالاخر بل وايضا بالنفس.
الكويت بلد معروف بالتسامح و حرية العبادة .. لماذا يرفض المجلس البلدي التصريح بكنيسة كاثوليكية في منطقة المهبولة مؤخرا ؟؟ strong>
الكويت القانون يحمى العبادات، وحادثة بناء الكنيسة التي اثيرت، كان هناك رفض من حيث استكمال الشكل لا غير، وهناك كنائس يعبد فيها الله في الكويت، ومن مسيحيين كويتيين ايضا، تقوم النخب بزياراتهم ويكونوا جزءا لا يتجزاء من المجتمع الكويتي، لا شك ان هناك اصوات متعصبة، ولكن ايضا يوجد في الكويت تراث مستامح قديم وتاريخي .
سينودس الشرق الأوسط أبدى تخوفا واضحا على مساحة الحريات التي يتمتع بها المسيحيون في الخليج العربي.. ترى هل كان على حق ؟
من حق السينودس ان يبدي تخوف على حرية العبادة للمسحيين في الخليج، الا ان هناك اضاءة لا يجب ان تنكر، هناك كنائس في كل من الكويت والبحرين، واخيرا دولة قطر وفي عمان والامارات العربية المتحدة. وهناك الاف المسيحيين ينعمون بحرية العمل والنشاط الديني في دول الخليج، ونرجو ان تتوسع هذه الحرية.
ما هو التأثير النفسي لعملية سيدة النجاة في بغداد على ما تبقى من مسيحي العراق في تقديركم ؟ وكذلك على العمالة المسيحية المؤقتة في دول الخليج ؟
لا يوجد انسان عاقل الا وشجب ما حدث في كنيسة سيدة النجاة في بغداد، ذلك عمل اجرامي بكل المقاييس، ومرفوض بشدة، ولعلك تعرف ان هناك العديد من المسيحيين ( والارمن) قد جاءوا الى الخليج في اوقات سابقة لما يوفره لهم من هامش العمل والعبادة. ولقد جال المبشرون المسيحيون في االخليج منذ بداية القرن الماضي ( العشرون) وبنوا المدارس والكنائس، واصبح تاريخهم معروف. ولعلني اذكر هنا ما قاله امين الريحاني في كتاب ( ملوك العرب) وهو المسيحي، ينصح بعثات التبشير، ان ركزوا على التعليم والتطبيب، فهؤلاء البدو لن يتركوا دينهم قط. والمعنى واضح ان العمل الانساني هو الاهم والابقى، فكلنا نعبد الواحد الاحد، كل بطريقته .
هل بات على المسيحيين العرب ان يدفعوا فاتورة المواجهة بين القاعدة والوجود الأمريكي المرفوض في الدول العربية والإسلامية ؟
ليس مطلوب منهم دفع فواتير، مطلوب من المستنيرين العرب، ان يهبوا امام هذا التعصب القادم من فكر ( تكفيري) لا يصيب المسحيين وحدهم.
البعض قال ان إسرائيل تقف وراء الأعمال الاخيرة ضد المسيحيين لتخريب العلاقة بين المسيحيين والمسلمين وبين المسلمين والغرب .. هل هذا سيناريو ساذج؟ ام يمكن ان يكون له نصيب من الصحة ؟
لا ارى ان تصدير المشكلات ووضعها على اسرائيل او غيرها من المنطق السليم، حتى لو اردات اسرائيل، او غيرها، افلا نحكم العقل وننظر الى التاريخ ونسمع ما قاله سيدنا على كرم الله وجه بما معناه اما شقيقك في الاسلام او اخ لك في الانسانية !
في حقيقة الأمر هل كانت ضغوطات الشمال العربي المسلم " ان جاز التعميم " في السودان دافعا للجنوب المسيحي الوثني للانفصال ؟
ما حدث ويحدث في السودان – مع الاسف – نتجة تعسف من جهة مصالح شخصانية من جهة اخرى، هو نتيجة طبيعية لقوانين سبتمبر 1982 التي اصدرها المرحوم النميري بمساعدة وتحريض السيد حسن الترابي ( تاكد يا اميل من التاريخ ) فقد كانت تلك القوانين التي اراد بها النميري ان يهرب من استحقاقات ديمقراطية، هي التي انتجت في النهاية ما وصلنا اليه. اي كما قلت في السابق، هناك سياسات ( جاهلة ) لا تحسب حساب المستقبل، بل هي تقوم بحل معضلة الان وفي التو، الا ان هذه الحلول تنتج نتائج مروعة في المستقبل.
ألا تخشى من تكرار المواجهات الطائفية في العالم العربي بين المسلمين سنة وشيعة وبين المسلمين والمسيحيين ؟.. وكيف تقرا السيناريوهات المستقبلية في لبنان ومصر على نحو خاص ؟
المواجهات ممكنة بين الفئات الاجتماعية المختلفة في طول وعرض بلادنا ان لم تقم النخبة في تلك البلاد بوأد الطائفية، وتقوم الدولة بدورها المنوط بها.
هل من علاقة في تقديركم بين الاحتقانات الطائفية وغياب الديمقراطية في العالم العربي وبخاصة حال المقارنة بنموذج دولة مثل الهند ؟
لدي شعور ان التطبيق الخاطئ لما نسميه ( ديمقرطية ) يفاقم المشكلة، لان الناس تعود الى التحزب والتجمع بناء على علاقات طائفية او عرقية او قبيلية. لانه لا توجد نيه – في تقديري – من النخب بشكل عام بتطوير الديمقراطيات المتاحة. خذ لبنان مثالا. فهي كما قال الحص، في لبنان كثير من الحرية قليل من الديمقراطية .
موجة العداء الاخيرة للمسيحيين هل هي نتاج للدعوة لحرق القران وعدم السماح ببناء مسجد جراوند زيرو .. ؟
ليس منطقيا ان تعاقب نفسك ( بتهميش طائفة من المواطنيين) لان الغرب قد اساء اليك، فلا ( تزر وازرة وزر اخرى ) تلك قاعدة شرعية مستنيرة، كما ان الوسيلة جزء من الغاية، وهي قاعدة شرعية اخرى . فكيف نبرر اضطهاد المواطن بسبب ما يجري هناك في الغرب ؟