روما، الثلاثاء 21 فبراير 2012(zenit.org)- أعلن البابا بندكتس السادس عشر مفسّرًا معنى القبعة الكاردينالية الحمراء أنّ “على الكرادلة الجدد أن يخدموا المحبّة”. أمّا على الخاتم الكاردينالي فتمّ تمثيل الرسولين بطرس وبولس ونجم يرمز إلى العذراء مريم. وأوضح البابا أنّ “الاشارة إلى مريم العذراء هي دعوة لتتذكروا دائمًا التمثّل بقوّة إيمانها وبخدمتها المتواضعة للربّ”.
كما ودعا البابا الكرادلة إلى إتباع منطق الانجيل، منطق “تقدمة الذات” وليس منطق السلطة والمجد.
وقد ترأس البابا بندكتس السادس عشر صباح يوم السبت 18 فبراير الكونسيستوار العام الرابع في كاتدرائية القديس بطرس لتعيين 22 كردينالاً جديدًا.
عظة البابا بندكتس السادس عشر
* * *
“أنت صخر وعلى الصخر هذا سأبني كنيستي”
أيها الإخوة والأخوات الاعزاء،
بهذه الكلمات أدخلنا نشيد الدخول في الطقوس الرسمية للكونسيستوار العام لتعيين الكرادلة الجدد، وإرتداء القبعة الكاردينالية ولبس الخاتم الكاردينالي وإعطاء اللقب. بهذه الكلمات أعلن يسوع عن بطرس كأساس متين للكنيسة. من هذا الاساس، يمثّل الايمان العنصر الرئيسي: إذ إنّ سمعان أصبح بطرس أي الصخرة لأنه أعلن عن إيمانه بالمسيح يسوع وابن الله. وبهذا الاعلان، ترتبط الكنيسة ببطرس وبطرس يرتبط بالكنيسة بصفته الصخرة. إلاّ أنّ المسيح نفسه يبني الكنيسة وبطرس هو فقط عنصر من عناصر البناء. ويجب أن يكون كذلك من خلال أمانته لاعترافه في قيصرية فيليبس قائلاً “أنت المسيح إبن الله الحيّ”.
هذه الكلمات التي وجهها يسوع لبطرس تظهر بوضوح الطابع الكنسي لحدث اليوم. في الواقع، الكرادلة الجدد، عن طريق منحهم لقب في كنيسة في هذه المدينة أو في أبرشية، تمّ إدراجهم في جميع أعمال كنيسة روما، يقودهم خليفة بطرس ويتعاونون بشكل وثيق معه لإدارة الكنيسة الجامعة. هؤلاء الاخوة الاعزاء الذين سيصبحون خلال لحظات أعضاء في مجمع الكرادلة سيكوّنون علاقات جديدة ومتينة لا فقط مع الحبر الروماني بل أيضًا مع جماعة المؤمنين المنتشرة في العالم. ومن خلال تنفيذ خدمتهم الخاصة بدعم الخدمة البطرسيّة، يطلب من الكرادلة الجدد دراسة وتقييم الأوضاع والمشاكل والمعايير الرعوية التي تؤثر على رسالة الكنيسة. وفي هذه المهمة الحساسة، إنّ الشهادة للايمان عبر حياة وموت أمير الرسل الذي قدّم نفسه كليًّا حتى التضحية بحياته مستندًا على محبّة المسيح ستكون مثالاً لهم وعونًا.
وهكذا يفسّر سبب إرتداء القبعة الكاردينالية الحمراء. على الكرادلة الجدد أن يخدموا المحبّة: محبّة الله، ومحبّة الكنيسة، ومحبّة القريب الكاملة وغير المشروطة حتى إراقة الدماء عند الضرورة وذلك يفسّر مراسم إرتداء القبعة الكاردينالية ولون الملابس الحمراء. المطلوب منهم هو خدمة الكنيسة بمحبّة وقوّة، بوضوح المعلمين وحكمتهم، بطاقة الرعاة وقوّتهم المعنويّة، باخلاص الشهداء وشجاعتهم. يجب أن يكونوا خدام متميّزين للكنيسة التي تعتبر بطرس أساس الوحدة.
في مقطع الانجيل الذي تمت تلاوته قبل قليل، يقدم يسوع نفسه كخادم وكقدوة يتبعها الاخرين. ويظهر الاعلان الثالث عن آلام، وموت وقيامة إبن الانسان التناقض الواضح مع مشهد إبني زبدى أي يوحنا و يعقوب، الذين يلاحقان أحلام المجد مع يسوع. فطلبا منه ” امنحنا أن يجلس أحدنا عن يمينك، والآخر عن يسارك في مجدك”(مر 10، 37). وإنّ جواب يسوع مباشر وسؤاله غير متوقع: ” إنكما لا تعلمان ما تسألان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها؟” (مر10، 38). إنّ الاشارة واضحة: الكأس هي الآلام التي قبل بها يسوع لتحقيق مشيئة الآب. خدمة الله والاخوة وتقدمة الذات هما منطق يطورهما الايمان الحقيقي في حياتنا اليومية وهما يتعارضان مع منطق القوّة والمجد الدنيوي.
ومن خلال بحث يوحنا ويعقوب، يظهر أنهما لا يفهمان منطق الحياة التي يشهد لها يسوع. هذا المنطق الذي بحسب المعلم يجب أن يميّز روح وتصرفات تلاميذ يسوع. هذا المنطق الخطأ لا يفكّر به فقط إبنا زبدى إذ بحسب الإنجيلي يفسد أيضًا “العشرة” البقية الذين “استاؤوا من يعقوب ويوحنا” (مر10، 41). وقد إستاؤوا لأنّ من الصعب ترك منطق السلطة والمجد وإتباع منطق الانجيل. ويعتبر القديس يوحنا الذهبي الفم إنّ جميع التلاميذ غير كاملين سواء يعقوب ويوحنا الذين يريدان التقدّم على البقية أو التلاميذ العشرة البقية الذين يشعرون بالغيرة. وتعليقّا على المرجع المقابل من الإنجيل بحسب ما كتبه لوقا، يقول القديس كيرلس الاسكندري: “وقع التلاميذ في الضعف البشري وتناقشوا في ما بينهم عن هوية القائد المتفوّق على البقية. هذا هو ما حدث وهذا الكلام مؤكّد. ما حدث للرسل هو بمثابة تشجيع على العيش بتواضع”. وهذا ما يسمح ليسوع بالتواصل مع كلّ التلاميذ وبـ “دعوتهم اليه” وذلك ليقرّبهم اليه بغية تشكيل معه جسد واحد غير قابل للتجزئة ولتوضيح الطريق للوصول إلى المجد الحقيقي، مجد الله ” تعلمون أن الذين يعدون رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها. فليس الأمر فيكم كذلك. بل من أراد أن يكون كبيرا فيكم، فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن لأجمعكم عبدا.” (مر10، 42-44). فهناك دائمًا منطقان يتعرضان في كلّ وقت ومكان كالهيمنة والخدمة، والانانية والايثار، والتملّك والتقدمة، والمصلحة والمجانية. والمسار الذي اختاره يسوع واضح ولا يبرزه فقط بكلامه للتلاميذ خلال الزمان بل بطريقة عيشه. فيفسّر قائلاً: ” لأن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم، بل ليَخدم ويفدي بنفسه جماعة النا
س” (مر10، 45). هذه الكلمات تلقي الضوء على أهمية الكونسيستوار العام اليوم. وتصل هذه الكلمات إلى أعماق النفس وهي دعوة، ونداء، وقاعدة وتشجيع خصوصًا لكم أيها الإخوة الأعزاء والمحترمين الذين ستصبحون أعضاء في مجمع الكرادلة.
وحسب الترجمة الانجيلية، إنّ إبن الانسان هو من يحصل على سلطة وسيادة من الله. ويشرح يسوع مهمّته على الأرض عن طريق الاضافة إلى صورة إبن الانسان صورة الخادم المتألّم التي يصفها أشعيا (أشعيا53، 1-12). فيحصل على السلطة والمجد فقط بكونه “خادمًا”. ولكنّه خادم إلى حدّ الأخذ على عاتقه معاناة وخطيئة العالم بأجمعه. ويتم إنجاز خدمته عبر الاخلاص الكامل والمسؤولية الكاملة تجاه الآخرين. ولذلك إنّ القبول الحرّ بموته العنيف يصبح ثمن تحرير الكثيرين، ويصبح بداية وأساس خلاص كلّ إنسان والبشرية بأجمعها.
أيها الاخوة الذين ستصبحون أعضاء بمجمع الكرادلة! لتكن تقدمة المسيح ذاته على الصليب الاساس، والمحفّز، والقوّة لايمان يعمل في محبّة الغير. لتكن مهمتكم في الكنيسة والعالم فقط «المسيح» ولتجاوب على منطقه لا على منطق العالم ولينورها الايمان وليحيها محبّة الغير المنبعثة من صليب الرب الكريم. على الخاتم الذي سأعطيكم إياه بعد قليل، تمّ تمثيل القديسين بطرس وبولس مع نجمة في الوسط عائد للعذراء مريم. تذكروا كلّ يوم من خلال إرتداء هذا الخاتم شهادة الرسولين عن المسيح حتى استشهدا هنا في روما وبذلك أسّسا الكنيسة. أمّا النجمة تذكّر بضرورة التمثّل بالعذراء مريم التي كانت قويّة الايمان وخادمة متواضعة للرب.
وبختام هذا التأمّل المقتضب، أريد أن أوجّه سلامي الودّي وشكري لجميع الحاضرين خصوصًا للوفود الرسمية من مختلف البلدان ولممثلي الاسقفيات الكثيرة. إنّ الكرادلة الجدد مدعوون في خدمتهم إلى الاخلاص إلى يسوع، مسترشدين فقط بانجيله. أيها الإخوة والأخوات صلّوا لينعكس فيهم راعينا وسيدنا الوحيد، الرب يسوع، مصدر الحكمة الذي يشير إلينا الطريق القويم. صلوا أيضّا من أجلي لأتمكن دائمًا من أن أقدم لشعب الله الشهادة للعقيدة الأكيدة وأن أقود بحزم وتواضع رئاسة الكنيسة.
* * *
نقلته من الفرنسية إلى العربية جويس يونس – وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية.
–