من كان شهباز؟
لقد كان قائدًا حقيقيًّا، لقد أظهر في حياته كلّها قدرات استثنائيّة على قيادة أخصّائه، والدفاع عن الأكثر ضعفًا، ليس فقط من المسيحيّين. يروي شقيقه الأكبر، بول بهاتّي، أنّه مذ كان طالبًا عمل بنشاط في الحركات ذات الطابع الاجتماعيّ والسياسيّ. كان يبذل ذاته كليًّا، ووقته وماله: لقد أنفق أكثر من مرّة مدّخراته لطباعة المنشورات والمُلصقات، ليوزِّعها في القرى المجاورة بهدف تعبئة الناس من أجل قضيّته. لكن قبل كل شيء، كان يعرف في كلّ بادرة كيف يتخطّى الحواجز بين الانتماءات الطائفيّة والسياسيّة المختلفة، وكان محبوبًا من جانب أشخاص من مختلف الأديان، إذ تأثّروا باهتمامه الصادق من أجل الدفاع عن كرامة الإنسان وتقدّم بلاده. لم يكن موته خسارة لعائلته وللطائفة المسيحيّة والأقليّات الدينيّة فحسب، بل للأمّة الباكستانيّة بأسرها، التي فقدت رائدًا مثقّفًا، بعيد النظر، ويتمتّع بقدر كبير من الإحساس والموهبة.
لا يمكن أن تمرّ هذه الذكرى السنويّة من دون تكريم هذا الشخص الرائع، إذ إنّ حياته وموته يمثِّلان معنى كبيرًا لكلّ باكستان، وليس وحدها. تستدعي حياته بوضوح إلى الذهن الفصل 14 من سفر أيّوب: “الإنسان مولود المرأة، قليل الأيّام كثير الشقاء، كزهرٍ ينبت ثمّ يذوي، وكظلٍّ يبرح ولا يقف” (14، 1- 2). كان شهباز بهاتّي حجرًا ثمينًا من باكستان: عاش شخصيًّا التمييز والتحديّات التي تواجهها الأقليّات الدينيّة في باكستان، لكنّه عرف كيف يقوم بعمل إيجابيّ، لأنّه عمل على نحوٍ واقعيّ دون توقّف من أجل بدء تحوّل إيجابيّ وديمقراطيّ أصيل في مجتمعه. بدأ العمل لخلق بيئة يمكن فيها للناس من مختلف المعتقدات والديانات أن يلتقوا في القبول المتبادل والتسامح، وفي احترام معتقدات الآخرين وقناعاتهم. من بين مبادراته العديدة، يجدر بنا أن نذكر تأسيسه عام 2002 لأوّل منظّمة مظلّة للأقليّات الدينيّة، “اتّحاد جميع أقليّات باكستان” (APMA). وانطلاقًا من مبادئ المنظّمة رفع بهاتي ببراعة صوته لصالح الحقوق الدستوريّة للأقليّات الدينيّة من أجل جعلها أمرًا شائعًا في الحياة الوطنيّة.
عملت المنظّمة تحت قيادة شهباز بهاتي، لتعزيز الوحدة الوطنيّة والانسجام الدينيّ والعدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر. كان أوّل مسيحيّ يصبح وزيرًا فدراليًّا في الحكومة، وذلك بفضل اكتسابه التقدير في هذا الحقل، دون جدالات أو نقاشات. كانت لديه جذور عميقة تُبقيه مرتبطًا بشعبه، الذي مثّله بشكلٍ فعّال في أوساط السلطة والمحافل العامّة والخاصّة. كان يتمتّع بقدر كبير من الشجاعة والبصيرة، بحيث أدرك باكرًا جدًّا الخطر الذي يحدق به يوميًّا من جرّاء تعريض نفسه شخصيًّا. لكنّه لم يتوقّف أبدًا. فقد أصدر قبل اغتياله بأربعة أشهر بيانًا طلب نشره في حال موته ميتة عنيفة، يشرح فيه بوضوح أنّه كان مهدَّدًا، لكنّ الحكومة لم توفِّر له التدابير الأمنيّة الملائمة. لا تزال كلماته تدوّي من تلك الرسالة المسجّلة: “أنا أعيش من أجل جماعتي ومن أجل أولئك الذين يعانون، وسوف أموت للدفاع عن حقوقهم. أُفضِّل أن أموت من أجل مبادئي ومن أجل عدالة جماعتي بدلاً من قبول التسويات”. لقد اختار كأس الموت بدلاً من إنكار شعبه. ومات شهيدًا.