الأب منتصر حداد

الموصل، الجمعة 16 مارس 2012 (ZENIT.org). - يقدم لوقا يسوع في كتابته لهذه الحادثة بصورة مميزة... يسوع هذا الشخص العجيب والغريب، هذا الإنسان الذي يتكلم كمن له سلطان، يأسر قلوب الناس بكلامه المحيي، من يسمعه يكتشف الحقيقة ويعرفها ولن يستطيع إلا أن يتبناها، وإلا يدخل في صراع مع ذاته، فإما مع الحق أو ضدّه... يقدم لنا يسوع كشخص ملتزم بقضايا الصغار، والصغير هو كل إنسان معدم، ضعيف، فقير، زانية أو زاني، منبوذ، أبرص... كل إنسان لم يعط له الحق في أن يعيش... كل إنسان مسلوب الكرامة... ها هو اليوم يتعامل بطيبة مع إنسانة، أرملة، محرومة من زوجها والآن من أبنها الوحيد الذي هو وسيلة عيشها الوحيدة... فكان عودة الحياة لهذا الشاب هو إعادة تكوين العائلة وأيضاً ضمان الحياة المادية...

أول ما نراه في هذا النص، هو لقاء جماعتين، جماعة تتهيأ للدخول إلى المدينة، وجماعة تخرج من المدينة. والمدينة هي: المكان الذي فيه تنمو العلاقات وتتطوّر، هي المكان الذي فيه يلتقي الإنسان بأخيه الإنسان، إنها مكان تجمع أناس، فيها من الحياة الوفيرة والعلاقات الكثيرة ما يجعلها مكان الحياة، وأيضاً فيها من العلاقات الكثيرة ما يؤدي بالإنسان إلى خنق أخيه الإنسان فيكون الموت، والذي ليس مكانه المدينة بل خارجاً..... من هذا المنطلق، سنستطيع فهم موقف الجماعتين في هذا النص. فيسوع وتلاميذه والجمع الكبير كما يقول لوقا المرافق ليسوع، جماعة حية لأن يسوع هو الذي يقودها للدخول إلى المدينة، مكان الفرح والحياة، وجماعة أخرى يقودها ميت محمول على نعش، جماعة تنوح وتبكي، جماعة تحمل الموت في ثناياها، جماعة تخرج من المدينة حيث الوحدة والانقطاع عن العلاقات، مكان عدم اللقاء مع الآخر الذي يحيي، مكان الموت.

يشفق يسوع على المرأة، ودائما ما نرى الإنجيليين، يتكلمون عن حنان يسوع، شفقة يسوع، حزن يسوع، الم يسوع.... كل هذه أفعال تدلّ على جدّية يسوع في تبنّي قضايا الصغار، قضايا لاناس الضعفاء... هذا الشعور بالآخر هو ما جعل يسوع يسير ويسير مع الإنسان في سبيل النهوض به نحو الأفضل، فكان ضدّ ما يقيّد الإنسان... عاملها بالرحمة، كما كان يعامل جميع الناس دون استثناء، فهي شخص يستحق أن يعيش بكرامة ومعاملة لطيفة........ يسوع يسرع بالمساعدة "يا فتى، أقول لك: قم" فجلس الميت وأخذ يتكلم. تكلم الميت يدل على الحوار الذي يعني أن الإنسان حي، لأنه يتحاور مع الآخر، أي، يعترف بالآخرين كأناس أحياء ممكن أن يبنوه ويبنيهم، إذا هنالك حياة متبادلة، إذا هنالك الملكوت، فدخل الجمع إلى داخل المدينة فرحاً وهم يمجدون الله.. يسوع دائماً يبادر عند باب المدينة، فإما أن نجعه يدخل بعد أن يحيينا أو نخرج نحن خارج المدينة حيث الموت.

يذكرنا ما بولس ويقول: "ما بالكم نائحين كالذين لا رجاء لكم؟" فعلاً، نحن المسيحيين لدينا الرجاء الكامل بأن الله هو أساس انطلاقنا وحياتنا وفرحنا. في قمة وعمق الفشل، علينا أن لا نيأس ونستسلم للظروف، بل علينا الانطلاق من جديد، علينا أن لا نخرج من المدينة حيث الحياة، بل أن نبقى داخل المدينة نعمل ونعمل، لنحقق الفرح والسعادة من جديد... هذا الرجاء والثقة بان الأمل لا ينتهي، وأن هنالك إلى الأبد من يستطيع حملنا والسير بنا نحو النور إن نحن أعطينا له الثقة بأنه هو قائد حياتنا.إلى أي من الجماعتين ننتمي؟ أإلى الجماعة التي يقودها يسوع والتي تعطي الحياة، أم إلى الجماعة التي يقودها ميت والتي تحمل في ثناياها الموت؟.هل يرى الناس فينا أصبع الله العاملة بحيث يستطيعون أن يقولوا مثلما قيل ليسوع "لقد ظهر فينا نبي عظيم وتفقّد الله شعبه"؟..... مملكة يسوع هي مملكة من دون حدود، لأن الحب لن ينتهي أبداً ومن يتكل على الحب، على الله أيضاً لن ينتهي... يا رب نحن واثقين من دعوتك لنا لنحيا كأناس حقيقيين، لذلك لا نخاف أبداً وسنبقى نسير وسط الصعوبات، فالهزيمة والموت لا يجب أن تكون مكتوبة في قاموسنا لأننا أبناء الحياة".