الفاتيكان، الاثنين 12 مارس 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي تلاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان نهار الأحد 12 مارس 2012.

* * *

إخوتي وأخواتي الأعزّاء،

يخبرنا إنجيل هذا الأحد الثالث من زمن الصوم بحسب القديس يوحنا  عن يسوع الذي يطرد الباعة والصيارفة من هيكل أورشليم (يو 2، 13-25). ينقل الإنجيليون جميعاً هذا الحدث الذي وقع مع اقتراب عيد الفصح، وترك انطباعاً كبيراً في الجموع كما وفي التلاميذ. فكيف نفسّر تصرف يسوع هذا؟ أودّ أن أشير أولاً إلى أنّ هذا الحدث لم يلقَ أي ردّ فعل من قبل مسؤولي النظام العام، إذ تمّ اعتباره عملاً نبوياً؛ فغالباً ما كان الأنبياء يدينون التجاوزات، باسم الله ومن خلال تصرفات رمزية. ولكن ربما كانت المشكلة تكمن في سلطتهم، لذا سأل اليهود يسوع: "أَيَّ آيةٍ تُرينا حتَّى تَفْعَلَ هذا؟ "(يو 2، 18)، أي أظهِر لنا أنّك تتصرّف باسم الله.

وتمّ كذلك تفسير طرد الباعة من الهيكل بمعنى سياسيّ ـ ثوري بتصنيف يسوع ضمن "الغيورين" الذين كانوا يُعرفون بـ"غيرتهم" على شريعة الرب وباستعدادهم لاستعمال العنف من أجل فرض احترامها. وفي أيام يسوع، كان الشعب ينتظر المسيح الذي سيخلّص إسرائيل من حكم الرومان، ولكنّ يسوع خيّب ظنّ من كانوا في حالة الانتظار هذه حتّى أنّ بعض التلاميذ تركوه، فيما بلغ يهوذا الاسخريوطي حدّ خيانته. في الواقع، إنّه لمن المستحيل وصف سلوك يسوع بالعنيف لأنّ العنف يتعارض مع ملكوت الله، كما أنّه لا يخدم البشرية أبداً، بل يجرّدها من طابعها الإنساني.

لنصغِ إذاً إلى كلمات يسوع أثناء طرده الباعة من الهيكل: "اِرفَعوا هذا مِن ههُنا، ولا تجعلوا مِن بيت أَبي بيت تِجارة". فتَذَكَّرَ التلاميذه أَنَّه كُتب في المزمور: "الغَيْرَةُ على بَيتِكَ ستَأكُلُني" (مز 69، 10). إن هذا المزمور هو طلب مساعدة في حالة الخطر الشديد بسبب حقد الأعداء: إنّها الحالة التي سيعيشها يسوع في آلامه. فالغيرة على الآب وعلى بيته ستقوده حتى الصليب: إنّ غيرته هي الحب الذي يبذل ذاته، لا ذلك الذي يريد أن يخدم الله بواسطة العنف. فالعلامة التي سيعطيها يسوع دليلاً على سلطته ستكون موته وقيامته. "اُنقُضوا هذا الهيكل وأنا أُقِيمهُ في ثلاثةِ أَيَّام!" ويلحظ القديس يوحنا: "أَمَّا هو فكانَ يَعْني هَيكَلَ جَسَدِه" (يو 2، 20- 21). بفصح يسوع تبدأ عبادة جديدة: عبادة المحبة، وهيكل جديد هو نفسه يسوع القائم من الموت والذي من خلاله يمكن لكلّ مؤمن أن يعبد الله الآب "بالروح والحق" (يو 4، 23).

أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إن الروح القدس بدأ بناء هذا الهيكل الجديد في أحشاء مريم العذراء. فلنصلِّ بشفاعتها كي يصبح كلّ مسيحي حجراً حياً في هذا الهيكل الروحي.

* * *

نقلته من الفرنسية إلى العربية كريستل روحانا – وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية

البابا: كرسي الاعتراف هو منصة إطلاق التبشير الجديد

روما، الاثنين 12 مارس 2012 (zenit.org) – قال البابا بندكتس السادس عشر إلى المعترفين إنّ سرّ التوبة هو منصة إطلاق التبشير الجديد إذ إنّ التوبة هو المكان المميّز للقاء مع المسيح الرحيم.
واستقبل البابا نهار الجمعة 9 مارس في الفاتيكان ما يقارب 1300 مشارك في الدورة التدريبية السنوية التي تنظمها المحكمة الرسولية والقاضي الرئيسي الكاردينال مانويل مونتيرو دي كاسترو. وتكلّم البابا عن “الضمير” أي أسئلة الضمير التي يطرحها المعرّفون خلال خدمتهم.
وطلب البابا من الكهنة التحلي بـ”شجاعة جديدة” رعوية وتربوية لممارسة سرّ التوبة والإعتراف.
واعتبر البابا أنّه “التبشير الجديد ينطلق أيضًا من كراسي الاعتراف. فيبدأ بلقاء غامض بين طلب الانسان الذي لا ينضب – والذي يشكل فيه علامة للخالق الغامض – والرحمة الالهية التي هي الجواب الوحيد للحاجة البشرية التي لا حدود لها.”
وأشار البابا إلى أنّ “الرغبة في التغيير” هي في قلب من يطلب هذا السرّ: فبالنسبة إلى المعمدين إنّ المعرّفين هم أبطال “بدايات جديدة ممكنة”. ولكنّ هذا التجديد  ليس فقط في “ترك” الماضي أو “إزالته” ولكنّ في “الترحيب بالمسيح” لأنّه “يستطيع أن يضيء الظلال كلها.”
شرح  قائلاً إنّ السرّ هو المكان المحددّ “لإختبار” وجود المسيح الرحيم: “إذا هذا هو سرّ التوبة: المؤمنون يختبرون الرحمة التي أعطانا إياها يسوع الناصري، الرب والمسيح وسيصبح المؤمنون شهودًا ذات مصداقيّة عن القداسة، هدف التبشير الجديد.”
وهذا ينطبق على العلمانيين وهو مهم للغاية بالنسبة للكهنة لأنّ “خادم الأسرار يعمل في التبشير الجديد من خلال تجديد إنتباه العالم إلى الحاجة إلى الإقتراب من سرّ التوبة” من أجل “لقاء” جديد “مع المسيح”.
وذكّر البابا بندكتس السادس عشر الكهنة بأنّ من يلتقي بهم يجب أن يشعر بأنه التقى بالمسيح. وهذا هو الشرط الأساسي ليكون كلّ إعتراف خطوة تجاه “التبشير الجديد”.
وإنّ التحوّل المسيحي هو شرط لا غنى عنه للتبشير الجديد إذ إنّ “أساس حياة التبشير الجديد هو قداسة أبناء الكنيسة والرحلة اليومية إلى تحول الفردي والجماعي للإمتثال دائمًا إلى المسيح.”
فإنّ الإعتراف يساعد الخاطئ التائب على “ترك الإنسان القديم وعلى الولادة الجديدة”
في الواقع، فقط المسيحي الذي “سمح للنعمة الالهية أن تجدده كليًا يمكن عيش وإعلان عن جدة الإنجيل”: تحوّل القلوب الفعلي هو “محرّك أي إصلاح” و”يترجمه قوة الانجيل الحقيقية”.
فأسوة بالبابا يوحنا بولس الثاني، يدعو بندكتس السادس عشر الكهنة إلى “شجاعة رعوية جديدة” من أجل “تنشئة يومية للجماعة المسيحية” تعرف كيفية “عرض وعيش سرّ التوبة بشكل مقنع وفعال”.
فالمطلوب هو إعادة إكتشاف وجه المسيح الذي يكشف الله من خلاله رقة قلبه وحنانه.
ويرى البابا “حالة طوارئ تربوية” بمعنى أنّ “النسبية تضع قيد المساءلة إمكانية التعليم الذي هو المقدمة التدريجية لمعرفة الحقيقة أي المقدمة التدريجية في العلاقة مع الحقيقة التي هي الله”. وبهذا السياق يأتي التبشير كإعلان عن الله القريب: “على المسيحيين الإعلان بقوة عن إمكانية تعرّف الإنسان اليوم على يسوع المسيح الذي من خلاله صار الله قريبًا منا، ونستطيع سماعه و رؤيته”.