البابا شنودة، الرجل الذي كان وحده بمثابة مجمع بأسره

البندقية، الأربعاء 28 مارس 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي مقابلة أجراها مارتينو دييز لموقع “الواحة” مع مريم سنوس حول وفاة البابا شنودة الثالث رأس الكنيسة القبطية.
***
في 17 آذار/مارس، فارق الحياة البابا شنودة الثالث رأس الكنيسة القبطيّة، بعد صراع طويل مع المرض. كيف تعيش الطائفة القبطيّة هذا الوقت العصيب؟
إنّه زمن حزن عميق، ليس بالنسبة للكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة فحسب، بل أيضًا للطوائف المسيحيّة الأخرى في البلاد وللمسلمين. من الواضح أنّ المؤمنين الأقباط هم أوّل من تمسّهم حالة الحداد، في ظلّ فقدان رئيسهم الروحي. فقد تجمّعوا لمدّة يومين حول جثمان البابا الراحل، في كاتدرائيّة القدّيس مرقس في حيّ العباسيّة بالقاهرة. ومن المقرَّر أن تُقام مراسم الدفن يوم غد (الثلاثاء 20 آذار/مارس) في الساعة الحادية عشر. ستحضر أكثر من ألفي شخصيّة تُمثِّل السلطات الدينيّة والمدنيّة والعسكريّة، بمن فيهم شيخ الأزهر.
كيف كانت ردّة فعل السلطات المدنيّة والمؤسّسات الإسلاميّة؟
لقد تناول التلفزيون المصريّ وفاة البابا شنودة الثالث كنبأ رئيسيّ. ووضعت القنوات الفضائيّة، بما فيها تلك التابعة لغير مسيحيّين، صورة البابا على خلفيّة الشاشة، واستمرّت في عرض صور المكان الذي سُجّي فيه الجثمان والناس المصطفّين لوداعه. ووضع جميع مقدّمي البرامج والصحفيّين ربطة عنق أو سترة سوداء إشارة إلى الحداد. وقد منحت السلطات العسكريّة، ممثّلة بقائد الجيش، أذنًا خاصًّا لنقل الجثمان إلى دير القدّيس بيشوى حيث سيتمّ دفن البابا – عبر وضع طائرة هليكوبتر بتصرّف الكنيسة القبطيّة. وقام المشير طنطاوي بإلقاء كلمة إطراء للبابا وقدَّم تعازيه للمسيحيّين، كما أعلن شيخ الأزهر أنّها خسارة كبيرة للشعب المصريّ بأكمله.
أمن الممكن إعطاء تقييم موجز لبابويّة شنودة الثالث أم إنّ الوقت ما زال مبكرًا للغاية؟
لقد أدار شنودة الثالث منذ عام 1971، أي لأكثر من أربعين عامًا، مصير الطائفة القبطيّة المصريّة. كانت هناك خلال فترة ولايته البابويّة أزمنة حسنة ورديئة. ومع ذلك، فقد كان له الفضل الكبير في تعزيز وضع الأقباط في مصر، لا سيّما هويّتهم المسيحيّة. فأقام دورات التعليم المسيحيّ للكهنة والأساقفة والشعب, ونظّم حتّى في القرى الصغرى جماعات لقاءات للشباب والنساء والأطفال. واهتمّ أيضًا بتنشئة الكهنة والأساقفة الذين قادوا الجماعات القبطيّة في مجتمعات الشتات، أي في أوروبّا والولايات المتّحدة، وكندا وأستراليا.
كيف كانت ردّة فعله على الثورة؟
لقد رفض اتّخاذ مواقف واضحة أو جدّ راديكاليّة. كان يخشى من أن يعاني الشبّان من عنف القمع. ثمّ اختار الانسحاب ورفض التعليق علنًا على هذا الموضوع.
ما هو تقييمكم الشخصيّ على شخصيّته؟
كانت شخصيّته جذّابة للغاية، ذات حيويّة كبيرة. وكما قلت، فقد عمل كثيرًا على تحسين مستوى الجماعة القبطيّة، خاصّةً في مجال التعليم، من خلال مدارس يوم الأحد. وكان يشدِّد كثيرًا على أنّ الكنيسة يجب أن تقدِّم أيضًا خدمات المساعدة والإعانة. وبنى العديد من الأديرة، ليس في مصر وحدها، بل أيضًا في أميركا وألمانيا.
يعترف الجميع، سواء كانوا من مؤيِّديه أم مُنتقديه، بعمله العظيم. فقد كان بفضل شخصيّته القويّة مُحترمًا من الجميع، مسيحيّين ومسلمين، وكثيرًا ما كان يُدعى إلى شاشات التلفزة، خاصّةً عندما كانت تندلع نزاعات بين الطوائف، فيلعب أحيانًا كثيرة دور الدّاعي إلى السلم ودور الوسيط.
كيف سيتم اختيار خلفه؟
بعد يومين من الجنازة الرسميّة سوف تبدأ رسميًّا عمليّة الخلافة. إنّها إجراءات معقّدة إلى حدٍّ ما، فالأقباط المصريّون لديهم، كما لدى جميع الكنائس الشرقيّة، بما في ذلك الكنائس الكاثوليكيّة، سينودس أساقفة مُكلَّف بانتخاب البطريرك. يمكن للأساقفة الذين يسوسون أبرشيّات أن يصوّتوا ولكن لا يمكنهم أن يُنتَخبوا. في المقابل، يمكن أن يُنتَخب الأساقفة الذين ليست لديهم أبرشيّات (الذين يهتمّون برئاسة دير)، فضلاً عن الكهنة أو الرهبان. على سبيل المثال، كان سلف شنودة الثالث، البابا كيرلّس السادس، راهبًا فقط.
سيكون هناك في البداية اجتماع مشترك بين المجمع الكنسيّ ولجنة من العلمانيّين، والوزراء المسيحيّين والمثقّفين الأقباط. سوف يبدؤون بجمع الأفكار، عبر اقتراح مرشّحين. وبعدها تجري الانتخابات. وفي النهاية، يجتمع المرشّحون الثلاثة الذين يكونون قد حصلوا على أكبر عدد من الأصوات للاحتفال بقدّاس مشترك، يختار خلاله طفل، من خلال سحب بطاقة من بين البطاقات التي تحمل أسماء المرشّحين الثلاثة، ذاك الذي سيُعلن كبطريرك الإسكندريّة. وهكذا يكون الصبيّ قد أعرب عن “مشيئة الله”.
أهي عمليّة طويلة؟
إنّه يتوقّف على عدّة أمور. ففي المرّة الأخيرة دامت الانتخابات ثمانية أشهر. لكنّ التقديرات تشير الآن إلى أنّ هذه العمليّة ستكون أسرع
ما هي مهامّ البابا العتيد وسلطته الفعليّة؟
يُقلَّد البابا جميع المهام المُمكنة والتي يمكن تصوّرها، بالمعنى الجيّد للتعبير. فهو ليس زعيمًا دينيًّا وروحيًّا فحسب، بل أيضًا سلطة أخلاقيّة وقانونيّة. وسلطته ليست فخريّة فقط، بل كذلك جدّ واقعيّة وعمليّة.
هل هناك أشخاص لديهم أرجحيّة في الفوز؟
هناك ثلاثة أو أربعة أشخاص كانوا يدورون في محيط البابا شنودة الثالث، قد تكون لهم الأرجحيّة، ولكن لم يتقرَّر شيء بعد. يجب أن نأخذ في الاعتبار عمل الروح القدس أيضًا.
هل يزيد فقدان البابا شنودة من معا
ناة الكنيسة القبطيّة؟
تعيش الكنيسة القبطيّة الآن تحوّلاً تاريخيًّا. إنّه زمن اضطراب كبير وعدم يقين، بسبب الوضع العامّ السائد في مصر، والحالة الخاصّة للجماعة المسيحيّة. إنّ فقدان شخصيّة كاريزميّة إلى هذا الحدّ يجعل كلّ شيء أكثر مأساويّة .
ستُلقى على عاتق البابا المقبل مسؤوليّة كبيرة. كان شنودة الثالث يشكِّل مجمعًا كنسيًّا بمفرده، نظرًا لشخصيّته البارزة وحضوره الذي لا شكّ فيه، لكنّ البابا العتيد مدعوّ للعمل بشكل جماعيّ، مع سائر ممثِّلي الطائفة، سواء كانوا دينيّين أوعلمانيّين.
ما دور السلطات المدنيّة المصريّة في انتخاب البابا؟
عندما يُنتخب البابا الجديد، يصدر رئيس الجمهوريّة مرسومًا يؤكِّد فيه تعيين البابا القبطي. لهذا السبب نأمل في أن يحصل انتخاب خلف شنودة الثالث قبل الانتخابات الرئاسيّة، كي يكون هناك مزيد من حرّيّة الاختيار.
هل يمكنكم إعطاؤنا نظرة عامّة عن الوضع الحاليّ للأقباط؟
دائمًا ما كان أعظم طموح للمجتمع القبطيّ، الذي يضمّ حوالي عشرة ملايين مصريّ، هو التمتّع بالمواطنة الكاملة، وتجنُّب اعتبار أعضائها مواطنين من الدرجة الثانية. لا تزال هناك العديد من القوانين التمييزيّة التي لم يتمّ إبطالها رغم الوعود. على سبيل المثال، ينتظر الأقباط منذ 32 عامًا قانونًا يسمح لهم بتشييد الكنائس.
مع فقدان شنودة الثالث، لديهم الانطباع بأنّه لم يعد هناك من يمثِّلهم تجاه السلطة، حيث كان هو الذي يحاور السلطات العسكريّة والمدنيّة. علاوةً على ذلك، مع صعود الإسلام السياسيّ، سوف تصبح الحاجة إلى وجود بابا قويّ أكثر ضرورة. ولكن يجب على البابا الجديد في الوقت نفسه أن يتّخذ مواقف ليّنة وغير أصوليّة.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير