بيروت، الثلاثاء 20 مارس 2012 (ZENIT.org). – جريدة النهار - ثم ها أنت يا سيدي تغادرنا على قلق، والريح تتلاعب بسفينتنا ذات اليمين وذات الشمال.
ها انت تمشي على صفحة ماء النهر العظيم تمضي ونحن نتعجب من هذا اللطف الذي ينساب بعيداً.
ها نحن نعترف لك، ايها الراهب الاسقف المطران الكاتب البابا، باننا عندما تشتد بنا الخطوب وتعصف بنا الفتن ونقف على منزلق نرجو محبتك لتقوم بنفسك وتأخذ بأيدينا الى بر الامان ثم أنك وحدك تعلن الصيام والصمت.
لقد تعلمناك وما اكتفينا.
تعبت من العمر في الشك والاضطراب والشكوى ولم تعد يداك تحتملان الغبار الذي صار حالاً يعيش معنا ونعيش به فلا نكاد نبصر أمامنا وبعضنا.
تعبت ولم يعد عمرك يسعفك، أيها التلميذ الاستاذ المتعمق في التاريخ، والاديب والشاعر، لكي تفتش في صحرائنا عن مفردات في لغتنا تستردنا من هزيمتنا ومن وجعنا ومن تخلفنا.
ولكن حيث أنك لم تيأس قط فانك تعبت من السلطات التي تعاقبت على الشعب ولم تتعب من النظام أو الدولة التي أردتها ان تنتبه لحياة الناس في السنوات العجاف وان تغلق الابواب امام الريح السوداء وان توقف نزف النهر وان لا يدخل الوطن في الخريف.
هنا حيث التقيتك ايها العالم الزائد في مصر أو لبنان. وحيث لا أزال احمل كتاب وصاياك، وآخر الاشعار المزدحمة بالطيور وبعبق النسيم في أول مواسمه، وآخر الكلمات التي تلبس الاشجار أوراقها على أهبة الربيع – هنا – اذكر كيف اخبرتني أنك وجدت الحرية والنقاء في الله بل كيف ان الله كان في قلبك انهراً من المحبة المعتقة وكؤوساً متأججة باللطافة وعيونا تشتد في التحديق في أسرار الكون والخليقة وجسداً تمضي به الى "اللطرون" لتعتزل الفتنة وتوقد سراجك وتفتح الحرف على الصوت.
ها أنت، يسقط الفراعنة وأنت لا تأبه كأنهم لم يكونوا أصلا. تمضي ثابت الخطوة مطهراً ومتطهراً بالشكر والغفران. يطفح وجهك بالبشر وتشرق المحبة من عينيك وتزدحم الابتسامة في فمك وأنت تصطاد الناس.
ها أنت وقد مشيت طريق جلجلتك من مدرستك الاولى الى التاريخ الفرعوني والحديث الى الكلية الاكليريكية وكلية اللاهوت وحيث كنت خادماً لرعيتك وأبا لها وراهباً واسقفاً ومطراناً الى ما صرت عليه متوجاً على راس كنيستك لا تهدأ على كرسيك بل تمضي داخل مصر وخارجها الى افريقيا وأميركا واوستراليا واوروبا تؤسس المعاهد والاديرة وترسم الاساقفة وتكون الأشد انتباها للشباب وتوسع أمكنة للمرأة.
ها أنت لم تغلق باباً على نفسك الا للتأمل حتى يوم كنت في مغارتك للتعبد لم تهاجر آلام الناس او آمالهم بل كنت صنو الحياة الناضجة بالضوء والصوت يسكنك الاطفال والعصافير وصحو الاشجار واللغة والشعر.
ها أنت الذي انفردت في العصر الحديدي للنظام في زمن الردة وكنت ربيعاً عربياً وصوتاً صارخاً يوم اختنقت الاصوات. عرّفتنا بأن بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة وان طريق فلسطين ليست عبر "الكنيست" وانه لا يمكن مصر والعرب والشرق والعالم اقصاء او تهميش فلسطين. وان كنيستي المهد والقيام والمسجد الاقصى ليست تواشيح مبعثرة في الخيال. وان غزة ورفح هما شغاف القلب. وان سيناء مكان موصل الى الالواح التي عليها كتاب الزمان الذي لم يضع في الرمل أو يته.
ها أنت، وها نحن ايها الاخ الراهب والبابا، ايها التلميذ الاستاذ، ايها المعلم في هذا الزمن الغادر تودعنا في أوج دمنا. كأنك تعرف اننا لن نخطىء الخروج الى الربيع، ولن نخطىء الربيع، ولن تأخذنا غمامة صيف الى شتاء كاذب، واننا لن نبقى نعيش ابداً في خريف اعمارنا، بل اننا سنشهر اعمار ابنائنا وارادتهم بغد افضل.
ها نحن نعترف لك، بأننا كنا قبلك نتحسر على اوقاتنا ونعيش بؤس ايامنا. وكنا اسرى خوفنا. لكنك علمتنا الصوت وان لا نخاف قول كلمة الحق امام سلطان جائر وان لا نخاف مقاومة العدوان وان لا نسمح ان يطمس الاستيطان اسماء القدس وبيسان.
ها نحن نعترف لك، باننا تعلمنا منك ان الكلمة اشف من البلور، وأقطع من السيف، وان الاقتراب من الكلمة يحتاج الى شجاعة الفرسان، وان الشعر يختبىء في عروق الالماس، وان الاديرة البعيدة تقع على طريق الله.
ايها البابا الجليل، العزيز، ليس الاقباط ابناء رعيتك على مساحة العالم ومصر، الذين وحدهم خسروا حضورك، وليست مصر وحدها من ستفتقدك، بل اننا جميعاً مسلمين ومسيحيين في الشرق وعلى مساحة العرب سنفتقدك بشدة، وخصوصاً نحن في لبنان وفي فلسطين الذين نحتاج الى حكمتك والى من يأخذ بأيدينا على طريق جلجلتنا.
يبقى يا سيدي، ايها الانبا النبيل العزيز، أنني وان كان يجتاحني الحزن، فانك تجتمع ومحبتك والوقت فينا لنكون اقوياء بما نعلم وتعلم وما تعلمناه في جامعتك.

-

لما قام يوسف من النوم، صنع كما أمره ملاك الرب

مصر، الاثنين 19 مارس 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لدى ترؤسه بالقداس الإلهي بمناسبة الاحتفال بعيد القديس يوسف في كاتدرائية مار يوسف في القاهرة نهار الأحد 18 مارس 2012.
* * *
1. طاعة ايمان القديس يوسف، بقبول الوحي الالهي والعمل بموجبه، كمّلت مسيرة ايمان زوجته مريم البتول، التي بدأت بجوابها للملاك: “انا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك” (لو 38:1)، هي التي حيّتها اليصابات: ” طوبى لتلك التي آمنت ان ما قيل لها من الرب سيتمّ” (لو45:1). بقوة هذا الايمان اصبح يوسف، مثل مريم، مؤتمناً على السرّ الالهي المكتوم منذ الدهور، وشريكاً مثلها في تحقيق تصميم الله الخلاصي، الذي هو سرّ تجسّد ابن الله وفداء البشر. وبهذا أصبح يوسف ومريم المؤمنان والزوجان مثالاً لكل مؤمن ومؤمنة، ولكل زوج وزوجة.
نحتفل بالعيد وفي القلب غصّة على وفاة الانبا البابا شنودة الثالث، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي طارت روحه الى السماء مساء أمس السبت في الوقت الذي كنا على موعد لزيارته، وقد اتينا من لبنان آملين إتمام هذه الزيارة العزيزة وما تنطوي عليه من أبعاد روحية ومسكونية. انني باسمكم، وباسم كنيستنا البطريركية المارونية، وباسم مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان، نقدّم أحرّ التعازي للكنيسة القبطية الاورثوذكسية، مطارنة وكهنة ورهباناً ومؤمنين ومؤمنات، بوفاة ابي هذه الكنيسة الشقيقة ورأسها. ونقدّم تعازينا لمصر العزيزة، قيادة وشعباً. اننا نذكره في هذه الذبيحة المقدّسة سائلين له، من الرب يسوع الحبر الازلي وراعي الرعاة، أن يجزل له ثواب الرعاة الصالحين، وان يمنح الكنيسة القبطية الاورثوذكسية الميتّمة راعياً جديداً وفق قلبه، يكمل مسيرة سلفائه العظام ولا سيما الخط الذي رسمه عبر احدى وأربعين سنة المثلث الرحمة البابا شنودة الثالث.
       3. لقد اتينا الى مصر لزيارة راعوية للابرشية المارونية، بدعوة كريمة من سيادة راعيها المطران فرنسوا عيد، الذي احيّيه بكثير من المحبة والتقدير، وهو اخ عزيز لي في الاسقفية، وفي انتمائنا الى امنا الرهبانية المارونية المريمية التي تخدم رسالتنا المارونية في الديار المصرية منذ سنة 1745، مواصلين خدمة راعوية بدأت سنة 1490 مع اول كاهن ماروني خدم جاليتنا المارونية فيها. وانني احيي ابناءنا الرهبان المريميين والكهنة الابرشيين معاونيه، وكل ابناء الابرشية وبناتها، بل كل اخواننا واخواتنا في مصر الحبيبة. هذه التحية اقدّمها مع سيادة المطران بولس صياح النائب البطريركي العام، وقدس الاباتي بطرس طربيه الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الذي حضر خصيصاً من لبنان مع مدبر عام وعدد من الآباء.
       4. ومن دواعي هذه الزيارة الراعوية التعبير عن التضامن مع الكنيسة التي في مصر، بكل كنائسها الكاثوليكية والاورثوذكسية والانجيلية، ومع الشعب المصري، لنصلّي معهم من اجل السلام والاستقرار في هذه البلاد، والعبور الى مرحلة جديدة من حياتها، تستعيد فيها مصر جمال هويتها ورسالتها الحضارية، وتكمّل دورها التاريخي الكبير في العالم العربي وفي الاسرة الدولية، وهي تنعم بالسلام العادل والشامل وبالاستقرار وطيب العيش الكريم. ومن دواعي الزيارة ايضاً، شدّ روابط الاخوّة والتعاون مع هذه الكنائس “بروح الشركة والشهادة” التي تدعونا اليها جمعية سينودس الاساقفة الخاصة بالشرق الاوسط، التي دعا اليها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وانعقدت في روما من 10 الى 24 تشرين الأول / اوكتوبر 2010، ونحن ننتظر ان يُصدر قداسة البابا الارشاد الرسولي في اعقابها.
       5. اننا نضع كل هذه الاهداف  تحت حماية امنا مريم العذراء وشفاعة القديس يوسف، مع العزم على اكمال مسيرة الايمان، على مثالهما، من أجل تحقيق تصميم الله الخلاصي جيلاً بعد جيل. فيوسف ، مع مريم، هو أول مؤتمن على سرّ ارادة الله الخلاصية، والى جانب مريم ومعها، يشترك في تحقيق الارادة الالهية في تاريخ البشر. وهكذا تعهّد القديس يوسف مريم بعناية ومحبة بتوليّة فائقة، وكرّس كل ذاته مثلها لتربية يسوع المسيح، كأب أرضي تجاه ابن مريم، فأصبح كذلك الحارس والحامي لجسد المسيح السرّي الذي هو الكنيسة، ومريم الام والبتول هي صورتها ومثالها. ولان القديس يوسف مع مريم هو اول مؤتمن على سرّي التجسّد والفداء، برباط لا ينفصم، قرر البابا الطوباوي يوحنا الثالث والعشرون، الذي كان يخصّ القديس يوسف باكرام عظيم، أن يُضاف اسمه الى جانب اسم مريم، قبل الرسل والاحبار العظام والشهداء، في تذكارات ليتورجيا القداس (البابا يوحنا بولس الثاني: حارس الفادي، فقرة 6).
       6. الى القديس يوسف، الذي عهد الله اليه بحراسة أثمن كنوزه : مريم ويسوع والكنيسة، نكل حياتنا وعائلاتنا وابرشيتنا هذه الموضوعة تحت حمايته. فلندرك، ايها الاخوة والاخوات، ان كل واحد منا مدعو ليؤدي دوره الخاص في تحقيق تصميم الله الخلاصي، بمسيرة ايمان. فطاعة الايمان واجبة لله الذي يوحي لنا ارادته، وبها يسلّم المؤمنُ والمؤمنةُ امره لله حراً، في كمال طاعة العقل والارادة لله الموحي، وفي اعتناق ارادي وواع لهذا الوحي الصادر عن الله (في الوحي الالهي، 5 ؛ حارس الفادي، 4).
       والازواج بنوع خاص، المؤتمنون على اكمال التاريخ البشري، بنقل الحياة البشرية وتربيتها، مؤتمنون على تحقيق تصميم الخلاص، اذا عرفوا كيف يقبلون ارادة الله في حياتهم الزوجية والعائلية، ويقبلون الحياة البشر
ية التي تولد على ايديهم، ثمرةً لحبّهم ولحب الله، ويربّونها على الايمان والصلاة والانفتاح على تصاميم الله. فالعائلة هي الكنيسة الاولى ناقلة الايمان ومعلّمة الصلاة، المترقّبة تحقيق تصميم الله الخلاصي.
       فاليك ايها القديس يوسف، انت الذي ائتمنك الله، في سرّ تدبيره، على كنوزه الثلاثة : يسوع المسيح، ومريم العذراء أمه، والكنيسة جسده السرّي، إحفظ عائلاتنا وابرشيتنا وكل واحد منا، في مسيرة طاعة الايمان مثلك ومثل أم الكنيسة مريم العذراء القديسة. فنرفع نشيد التسبيح والاكرام للآب والابن والروح القدس، الآن والى الابد، آمين.

البطريرك الراعي يوجه رسالة تعزية بوفاة البابا شنوده

مصر، الاثنين 19 مارس 2012 (ZENIT.org). – وجّه غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رسالة تعزية متلفزة الى الكنيسة القبطية الاورثوذكسية خاصةً وإلى الشعب المصري عامةً بوفاة قداسة البابا شنوده الثالث بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية مساء السبت ١٧ آذار، وذلك بعد تلقيه خبر الوفاة أثناء القداس الإلهي الذي كان يترأسه في كنيسة مار مارون – مصر الجديدة التابعة لرسالة الرهبانية المريمية المارونية.
فإنني بإسم الكنيسة المارونية وبإسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وبإسم الشعب اللبناني وكل كنائسنا نتقدم بالتعازي للكنيسة القبطية الاورثوذكسية الشقيقة ونقول لأبنائها: لقد قفدتم راعياً على الأرض ولكن كسبتم شفيعاً في السماء. هذا البابا – البطريرك الكبير الذي حمل الكنيسة بصلاته وتعليمه وبتضحياته وبحضوره الدائم، وفي الوقت الذي خارت قواه أراد الربّ أن ينقله الى مجد السماء كي يستطيع بالقوة الالهية أن يشفع بالكنيسة القبطية الاورثوذكسية. هذه التعازي أقدمها الى كل الكنائس والى الشعب المصري. اننا نصلي من أجله وكلنا رجاء أن الملائكة حملت روحه الى مجد السماء. ونردد: الراحة الدائمة أعطه يا رب، ونورك الأبدي فليضئ له؛ فلتسترح نفسه بسلام. ونلتمس بصلاتنا ونحن نعزي، الالهام من الروح القدس لمطارنة الكنيسة القبطية الاورثوذكسية كي يختاروا راعياً جيداً حسب إرادة وقلب الله على مثال البابا شنودة كي تواصل هذه الكنيسة رسالتها في الديار المصرية وفي كل بقاع الأرض. رجاؤنا أن الربّ يسوع المسيح راعي الرعاة هو الذي يقود الكنيسة بإسمه ، كما فعل البابا شنودة  يقودوا قطيعه على الأرض”.
وقال غبطته: ” بأسى كبير وبرجاء مسيحي وعندما كنا نحتفل بالقداس  وكنا بلغنا الى الإنجيل، وصلنا النبأ المحزن ولكن الذي يحمل الرجاء، نبأ انتقال البابا شنوده الثالث الى بيت الآب في السماء. ففي الوقت الذي كنا نحتفل به في القداس كانت روحه تطير إلى امام عرش الله، فقدمناها مع القرابين وقلنا يا رب كما أنك تقبل قرباننا اليوم إقبل قربان هذا الراعي الصالح الذي قاد كنيسته لسنوات عديدة بحكمة ودراية.