علاقة الكنائس الشرقية مع الكوريا الرّومانيّة:

علاقة الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة بالكرسيّ الرّسوليّ (4)

Share this Entry

الكرسيّ الرّسوليّ هو مركز السّلطة الكنسيّة العليا بالنّسبة إلى جميع الكاثوليك في العالم، وهو يتمثّل بقداسة البابا بمعاونة بعض الكرادلة، والأساقفة، والكوريا الرّومانيّة المؤلّفة من المجامع، والمجالس، واللجان الحبريّة، والمحاكم، وبعض المؤسّسات الفاتيكانيّة الأخرى.

أ‌.        مجمع الكنائس الشّرقيّة

بما أنّ للكاثوليك الشّرقيّين وبطاركتهم وإكليروسهم مكانة خاصّة في قلب الكرسيّ الرّسوليّ وصلب اهتماماته، أنشأ الأحبار الأعظمون دائرة حبريّة خاصّة، تُعنى بشؤون كنيسة المشرق والمؤمنين الكاثوليك من ذوي الطّقوس الشّرقيّة المتنوّعة، فتهتمّ بأحوالهم وقضاياهم؛ وبالرّغم من تبدّل اسم تلك الدّائرة عبر التّاريخ وتعديل صلاحيّاتها وتوسيع مهامّها، فهي لم تتوانَ يوما في القيام بواجباتها نحوهم على مختلف الأصعدة. 

يعود أصل مجمع الكنائس الشّرقيّة إلى السّادس من كانون الثّاني عام 1862، إلاّ أنّ البابا بولس السّادس عام 1967 أطلق عليه اسم “مجمع الكنائس الشّرقيّة”  .Congregatio pro Ecclesiae Orientali

إنطلاقا من “الحفاظ على حقّ الحبر الرّومانيّ الذي لا يتغيّر من ناحية التّدخّل في بعض القضايا” Salvo inalienabiliRomani Pontificis iure in singulis casibus interveniendi  على حدّ قول المجمع الفاتيكانيّ الثّانيّ (ك ش 9)، يعاون مجمعُ الكنائس الشّرقيّة قداسةَ البابا في العناية بشؤون الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، وهو يحلّ في المرتبة الثّانية بعد مجمع العقيدة والإيمان بالنّسبة إلى التّراتبيّة الفاتيكانيّة، رغم أنّ المجامع والمجالس الحبريّة عموما، متساوية من النّاحية القانونيّة.

يُعتبر هذا المجمع، بمثابة السّلطة العليا أو المرجعيّة العليا لكلّ الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، وهو يمارس سلطته على الأشخاص والأشياء؛ إذ له بحكم القانون الكنسيّ على البطريركيّات والأبرشيّات والأساقفة والإكليروس والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين من الطّقوس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، الصّلاحيّات عينها التي لمجمع الأساقفة ولمجمع مؤسّسات الحياة المكرّسة ومنظّمات الحياة الرّسوليّة، ولمجمع التّربية الكاثوليكيّة على الكاثوليك ذويّ الطّقس اللاتينيّ.

يحتفظ المجمع ببعض اللجان، نذكر منها “لجنة الدّراسات حول الشّرق المسيحيّ”، وهي تهدف إلى دراسة الوثائق والمبادرات التي بإمكانها أن تعرّف الشّرق المسيحيّ إلى الكاثوليكيّة الغربيّة، ومواصلة التّعمّق بالأبحاث حول تراثات الكنائس الشّرقيّة وهذا ما يقوم به كبار البحّاثة والمستشرقين واللاهوتيّين والليتورجيّين والقانونيّين برعاية من المجمع وتطبيقا لدعوة المجمع الفاتيكانيّ الثّاني إلى إعادة تعزيز تراث تلك الكنائس وإنعاش إرثها الفكريّ واللاهوتيّ والطّقسيّ؛ ثمّ “لجنة تنشئة الإكليروس والرّهبان” التي تعنى بتنشئة الطّلاّب الشّرقيّين في روما على اختلاف انتماءاتهم وتقاليدهم وهذا ما يظهر جليّا مدى اهتمام الكرسيّ الرّسوليّ بكنائسنا؛ إلى جانب لجنة (R.O.A.C.O) أي “تجمّع المؤسّسات لمساعدة الكنائس الشّرقيّة”، وهي تضمّ مجموعة مكاتب ووكالات من مختلف أنحاء العالم، وتقوم ببعض المساعدات الماليّة لإنشاء المباني الكنسيّة والاجتماعيّة في بعض بلدان الكنائس المشرقيّة، وتأمين المنح الدّراسيّة، وإعانة المؤسّسات التّربويّة والمدرسيّة، وخدمة الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الاجتماعيّة والصّحّيّة. 

كما تشمل سلطة المجمع، عمليّا، بلدان الشّرق الأوسط والهند والحبشة وأوروبا الشّرقيّة وغيرها من البلدان التي يتواجد فيها شرقيّون كاثوليك.

ثمّة ستّ موادّ في دستور الكوريا الرّومانيّة “الرّاعي الصّالح” [1]PastorBonusتحدّد الخطوط العريضة لصلاحيّات المجمع (61-56)؛ إذ تحقّ له بموجبها معالجة جميع المواد التي تتناول الأشخاص الشّرقيّين وأمورهم التي يعود البتّ فيها للكرسيّ الرّسوليّ، من النّاحية الهيكليّة أو التّنظيميّة وممارسة الخدمة التّعليميّة والتّقديسيّة والإداريّة، ناهيك عن الاهتمام بأوضاع الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة عموما، وبحقوقها وواجباتها، وهو يرعى أيضا شؤون الشّرقيّين الكاثوليك المقيمين في الأماكن الخاضعة لولاية الكنيسة اللاتينيّة[2].

ب‌.     حقّ اللجوء إلى الكرسيّ الرّسوليّ

أكّد المجمع الفاتيكانيّ الثّانيّ إستقلاليّة الكنائس البطريركيّة الشّرقيّة الكاثوليكيّة[3]. إلآّ أنّ المقصود بهذا التّعبير بالطّبع، إستقلاليّة نسبيّة فقط (Une autonomie relative) وإلاّ فقدت تلك الكنائس كاثوليكيّتها. وقد أعلن “بطريقة رسمية أنّ من حقّ الكنائس الشّرقيّة والكنائس الغربية بل من واجبها، أن تحكم نفسها وفقاً لأنظمتها الخاصّة الذّاتيّة”. نظرا  “لجلال قدمها”، وأن “تتوافق أكثر مع عادات مؤمنيها ولكن ليس من أجل السّلطة والحكم، بل “لتضمن للنّفوس خيراً عميقاً” (ك ش 5).

إلاّ أنّ هذا الحكم الذّاتي الذي يشير إليه نصّ الوثيقة يخضع أوّلا وآخرا للحبر الرّومانيّ الذي له حقّ التّدخّل بقوّة القانون في كلّ المسائل والقضايا إذا شاء ذلك. وعليه، فإنّ سلطة البطريرك لا تمتدّ إلى خارج حدود الرّقعة البطريركيّة، بحسب الإيضاح الصّادر عن مجمع الكنائس الشّرقيّة في 25 آذار 1970.

كما يحدّد المجمع الفاتيكانيّ المسائل التي يحقّاللجوء بها الى الكرسيّ الرّسوليّ، وهي تتعلّق بالأمور الخاصّة “بالأشخاص، والجماعات، والمناطق”. أمّا ا
لكرسيّ الرّسوليّ كونه “حكماً سامياً للعلاقات بين الكنائس”، فيجب أن يلبّي الحاجات بروح مسكونيّة، “بذاته أو بسلطات أخرى، معطياً من القواعد والمراسيم والأوامر ما يراه موافقاً” (ك ش 4). ممّا يستوجب في اعتقادنا شرحا قانونيا لبعض “الكلمات-المفاتيح” الواردة بين السّطور بغية توضيح ما يقصده نصّ القرار المجمعيّ حول “الكنائس الشّرقيّة” وترجمته قانونيّا وتطبيقيّا. 

ج‌.     الأمور الخاصّة بالأشخاص

    من المعروف في القانون الكنسيّ أنّ لكلّ كاثوليكيّ حقّ اللجوء إلى الحبر الرّومانيّ الذي تنوط بسلطانه رعاية الكنيسة الكاثوليكيّة جمعاء، وله أن ينظر في كلّ المسائل بذاته أو بسلطات أخرى نظير أعضاء الكوريا الروّمانيّة والممثّلون الحبريّون الذين يقومون باسم البابا وبسلطانه بالمهمّة الموكولة إليهم في سبيل خير الكنائس جمعاء بحسب القواعد التي يقرّها قداسته (ق. 46 -البند 1).

نوجز في هذا السّياق أهمّ المسائل المتعلّقة بالأشخاص والمنوطة بدوائر الكرسيّ الرّسوليّ المتعدّدة وخصوصا مجمع الكنائس الشّرقيّة وهي إمّا تُرفع إلى الأب الأقدس وإمّا يُبتّ فيها باسمه، بموجب الصّلاحيات الممنوحة منه: 

مسألة تعيين الأساقفة (ق. 181 البند 2؛ 149؛ 168)؛ قضيّة قبول أسقف شرقيّ غير كاثوليكيّ في الكنيسىة الكاثوليكيّة وممارسة سلطته (ق. 898 البند 1؛ 899)؛ تخلّي الأسقف عن مهامه خارج حدود الولاية البطريركيّة (ق. 210 البند 2)، تعيين المدبّر الرّسوليّ (ق. 234)؛ التّفسيح من وثاق البتوليّة في حالات معيّنة (ق. 397)؛ التّفسيح من الدّرجة المقدّسة (ق. 795 البند 1-1)؛ حلّ الزوّاج الصّحيح غير المكتمل (ق. 862)؛ فسخ الزّواج (ق. 1384)؛ الموافقة على تعيين المعتمد البطريركيّ لدى الكرسيّ الرّسوليّ (ق. 61)؛ التّدخّل في تعيين البطريرك في حال عدم إنجاز الإنتخاب خلال المدّة المحدّدة في القانون (72 البند 2)؛ تلقّي رسالة سينودوس الأساقفة عن إنتخاب البطريرك بغية طلب رسالة “الشّركة الكنسيّة” من الحبر الرّومانيّ (ق. 76 البند 2)؛ الاهتمام بتسليم التّقرير السّنويّ الذي يوجّهه البطريرك إلى قداسة البابا عن حالة الكنيسة البطريركيّة المعيّنة وتحضير زيارة البطريرك للحبر الأعظم (ق. 92 البند 3)؛ النّظر في مسألة الأساقفة الذين يرتكبون خطأ جسيما عبر رسالة يوجّهها البطريرك إلى قداسة البابا إن لم تتصّلح الأمور محلّيّا (ق. 95 البند 2)؛ الموافقة على المعاهدات التي يبرمها البطريرك مع السّلطات المدنيّة (ق. 98)؛ تعيين المرّشحين إلى الأسقفيّة من الكنائس البطريركيّة خارج رقعة الكنيسة البطريركيّة وذلك بعدما يعرض البطريرك أسماء المرشّحين المنتخبيبن من السّينودس (ق. 149)؛ الموافقة على المرشّحين على الأسقفّيّة (ق. 182 البند 3-4؛ 184 البند 1؛ 185)؛ إحالة قضيّة الأسقف الذي يغيب عن أبرشيّته خلافا للقانون (204 البند 4)؛ تثبيت انتخاب رئيس الأساقفة الكبير (ق. 153 البند 2-4)؛ تعيين ميتروبوليت الكنيسة المتروبوليتيّة المستقلّة (ق. 155 البند 1)؛ منح الميتروبوليت درع التّثبيت (ق. 156 البند 1)؛ الاهتمام بزيارة الميتروبوليت الأعتاب الرّسوليّة كلّ خمس سنوات (ق. 163).

د‌.                               المسائل الخاصّة بالجماعات

أمّا المسائل التي تتعلّق بالجماعات فهي:

موافقة الكرسيّ الرّسوليّ على عقد مؤتمرات رؤساء الكنائس الشّرقيّة المتنّوعة ومقرّراتها (322)؛ طاعة الكهنة والجماعات الرّهبانيّة لشخص الحبر الرّومانيّ (ق. 370؛ 427) كرئيسهم الأعلى (ق. 412؛ 555؛ 564)؛ خضوع الرّهبان الذين يتولّون منصب بطريرك أو أسقف أو إكسرخوس، للحبر الأعظم؛ (431 البند 2 رقم 1)؛ النّظر بخلافات الأساقفة فيما بينهم (ق. 88 البند2)؛ تلقّي الأعمال والمقرّرات القانونيّة الصّادرة عن مجلس الأساقفة (ق. 111 البند 3)؛ النّظر في استقالة البطريرك من منصبه (ق. 126 البند 2).

ه.            الأمور المتعلّقة بالمناطق

ثمّة أيضا بعض النّقاط الهامّة المرتبطة بالمناطق:

الحبر الرّومانيّ هو المدير الأعلى للخيور الكنسيّة (ق. 1008) وهذا يشمل كلّ مناطق انتشار الكنيسة الكاثوليكيّة جغرافيّا. ضرورة قبول الكرسيّ الرّسوليّ موضوع انتقال الكرسيّ البطريركيّ من مكان إلى آخر (ق. 57 البند 3). القرار في شأن حدود منطقة الكنائس البطريركيّة وهذا يعود إلى قداسة البابا وحده (ق. 146 البند 2). تحديد الشّرع الخاصّ للكنائس التي هي ليست ببطريركيّة ولا بأسقفيّة ولا بميتروبوليتيّة (ق. 174).

[1] صدر عن البابا يوحنّا بولس الثّاني عام 1988.[2] A.A.S., 80 (1988) 874-876.

[3] Cf. L. Kovalenko, “Communio ecclesitastico del Patriarca con il Romano Pontefice” in Ius Ecclesiarum Vehiculum Caritatis, Atti del simposio internazionale per il decennale dell’entrata in vigore del Codex Canonum Ecclesiarum Orientalium, Congregazione per le Chiese Orientali, Liberria editrice vaticana, 2004, P. 784.

Share this Entry

الأب فرنسوا عقل المريمي

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير