بكلام آخر، أنه حب يملك قدرة التحول والتألّه، يحول “الأنا- النرجسيّة” الى أنا عطية دائمة للـ”أنت” والـ” نحن”. شبه الرب يسوع حقيقة العطية – الأنا [ذاته] بالحبة الحنطة التي تقع في اﻷرض تعطي حياة (راجع، يو12: 24). وهذا الحبة تقودنا الى كياننا المدعو دوما وأبدا على مثال سيّده الى الحياة، يتحقق في غرس – الذات في أرض الواقع، بهدف أن تنبت براعم خبز الحياة والحب والعطاء والفرح والرجاء (راجع، يو25)، بكلام آخر، تتحوّل بالمسيح الى عطية الحياة للمائتين (راجع ، يو6: 35 و لو24: 30) . وحده الحب- الإفخارستيّ، يمكّن اﻹنسان أن يقبل بفرح وقوّة، في تحمّل مشقات الحياة وصعوباتها ومشقاتها، وفي الحب تتقوى الإرادة بقوة الغفران، تلك القوة لا تملكها ممالك قساوة القلوب والأحقاد، لا بل إنها غريبة عنه.
تعبّر ثقافات اليوم، عن الصليب – الإفخارستي، بأنه علامة عار أو ضعف أو محنة (راجع، 1قور1: 18) … لهذا نرى أن البعض يتجنبه، والبعض الآخر يحاول التخلّص من المفرادت والمصطلحات التي تتعلق بمسألة التضحية، وبكلام آخر، الإنسان، يبحث عن التأله ولكن بطريقة خاطئة[1]… في هذا التفكّر المشؤوم والكئيب، يتشّوه الإنسان، وفي هذا التشوه، تُقحم الإرادة بمتاهات الميوعة، فتنفذ القساوة الى القلب، فتجف المحبة، ويضعف التضامن والشركة مع آلام اﻵخرين ولاسيما ضحايا الإستبداد والظلم والتزمة. ومن هنا بإمكاننا فهم حجة ثقافات اليوم، في تبرير الذهنية المنفعية والمادية المتزمتة، والعدمية.
في قبول منطق الصليب أي منطق الإفخارستيا، يتحدد مصير كل مسيحي وكل زوج وزوجة وأرمل وأرملة، وراع وكاهن وراهب وراهبة، وعلماني/ة… لهذا نعرف المسيحي، بما يملكه من قدرة وقناعة في عيش حقيقة المسيح- العطية الإفخارستيّة، بشهادته المتواصلة للحب والغفران والعدالة، والمثابرة البطولية حتى اﻹستشهاد في تحمل نقائص اﻵخرين، والعمل المتواصل في تحويل الواقع من حالة البؤس والظلم واﻹستبداد والجهل والقساوة، الى مساحة الحب حيث تحل حرية أبناء الله، فتزهر ثمار الرجاء والفرح، في بنى الهيكليات اﻹجتماعية اﻹقتصادية والسياسية (راجع، غلا5: 22- 24)… إنه تحوّل إفخارستي روحيّ بإمتياز، إنطلاقاً من سر الأسرار أي ذبيحة جسد ودم يسوع المسيح.
المسيحي هو حامل العطية- الإفخارستيّة والشاهد لها والمدافع عنها، يعلنها دوما وأبدا في إنسانيته وفي نوعية حبّه وجدية إلتزامه، وجودة أفعاله وذلك في واقعه المعيش. فخره جرح المصلوب (راجع، رو15: 17؛ 2كور11: 3 و12: 9)، قوّته إختبار الصليب الظافر الذي تجري منه، أنهار الحب الحي المتدفقة في عقول وأفئدة المؤمنين اﻷمناءاﻷوفياء.
وأخيرا، المسيحي هو من يسير خلف سيده وربه وفاديه، يبحث معه عن الضائع والتائه والكئيب والقلق والمهمش، وأيضا من فقد الرجاء في الحب والكنيسة والحياة (راجع، لو15)…. ليضعه في وليمة الحبّ الأبدية، وليمة الإفخارستيا، فيصبح إنه عطية الحبّ المضحي الفدائي، للقلوب الجائعة، عطية تحول بقدرة روحانية الحب- الإفخارستي براري العالم الى بستان حب، تعبق منه رائحة الفضائل، فيأتي المسيح لكي يرتاح ويتنعم في الإنسان [الرجل والمرأة] (راجع، آش31: 1).
[1] – البابا بنديكتوس السادس عشر، الإسخاتولوجيا “الموت والحياة الأبدية”، ص 65.