مسودة الرسالة الختامية للسينودس الخاص بإفريقيا (1)

Share this Entry

“البركات الإلهية ما تزال وافرة”

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 26 أكتوبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي القسم الأول من الرسالة الختامية للجمعية الثانية الخاصة بإفريقيا في سينودس الأساقفة، حسبما وردت في الجمعية العامة الثامنة عشرة في 23 أكتوبر. وقد اختتم السينودس البارحة.

***

مقدمة

1 – لقد كان الأمر بمثابة هبة خاصة من النعمة وشبه وصية أخيرة لإفريقيا عندما أعلن خادم الله يوحنا بولس الثاني في نهاية حياته في 13 نوفمبر 2004 عن تصميمه على الدعوة إلى جمعية ثانية خاصة بإفريقيا في سينودس الأساقفة.

هذا العزم عينه أكده خليفته الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في 22 يونيو 2005 ضمن أحد أبرز القرارات الأولى في حبريته. فيما نجتمع هنا من أجل السينودس من كل بلدان إفريقيا ومدغشقر والجزر المجاورة، مع الأساقفة والزملاء الإخوة من كل القارات، مع رأس المعهد الأسقفي وتحت إشرافه، وبمشاركة بعض الممثلين الأخويين عن التقاليد المسيحية الأخرى، نشكر الله على منحنا هذه الفرصة السعيدة للاحتفال ببركات الرب في قارتنا، وتقييم خدمتنا كرعاة قطيع الله، وإيجاد الإلهام والتشجيع الجديدين للمهمات والتحديات الكامنة فيها.

خمسة عشرة سنة مضت على الجمعية الأولى التي عقدت سنة 1994. ولطالما كانت تعاليم وتوجيهات الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس “الكنيسة في إفريقيا” دليلاً فعالاً لجهودنا الرعوية. مع ذلك، تمكن السينودس خلال هذه الجمعية الثانية من التركيز على موضوع ذات إلحاحية كبيرة لإفريقيا: خدمتنا للمصالحة والعدالة والسلام في قارة بحاجة ماسة إلى هذه النعم والفضائل.

2 – بدأنا عملنا هنا باحتفال افتتاحي بسر الافخارستيا ترأسه قداسة البابا بندكتس السادس عشر الذي ابتهل من الروح القدس “إرشادنا إلى الحق كله” (يو 16، 13). في تلك المناسبة، ذكرنا البابا بأن السينودس ليس أولاً حلقة دراسية وإنما بادرة الله، داعياً إيانا إلى الإصغاء: الإصغاء إلى الله، وإلى بعضنا البعض، وإلى العالم المحيط بنا في أجواء من الصلاة والتأمل.

3 – فيما نستعد للتفرق في مختلف مناطق خدمتنا، بالتزام وشجاعة متجددين، نتمنى توجيه هذه الرسالة إلى الكنيسة جمعاء، عائلة الله، وبخاصة إلى الكنيسة في إفريقيا: إلى إخوتنا الأساقفة الذين ننوب عنهم هنا؛ إلى الكهنة والشمامسة والرهبان وجميع المؤمنين العلمانيين، وإلى جميع القلوب التي قد يفتحها الله على الإصغاء إلى كلماتنا.

القسم الأول

النظر إلى إفريقيا حالياً

4 – إننا نعيش في عالم مليء بالتناقضات والأزمات العميقة. يقوم العلم والتكنولوجيا بخطوات هائلة في كل جوانب الحياة، من خلال تزويد البشرية بكل ما يلزم من أجل جعل كوكبنا مكاناً رائعاً لنا جميعاً. مع ذلك ما تزال الأوضاع المأساوية المتمثلة باللجوء والفقر المدقع والأوبئة والجوع تقتل آلاف البشر يومياً.

5 – في هذا الإطار، تعكس إفريقيا أكبر معاناة من كل ذلك. على الرغم من الموارد البشرية والطبيعية الغنية، ما يزال عدد كبير من أبناء شعبنا يتخبط في الفقر والبؤس، والحروب والصراعات، والأزمات والفوضى. هذه الأوضاع كلها نادراً ما تكون ناجمة عن كوارث طبيعية. وكثيراً ما تكون معزوة إلى قرارات بشرية ونشاطات أشخاص غير آبهين بالمصلحة العامة وإنما معتمدين على تواطؤ مأساوي وتآمر إجرامي للقادة المحليين والمصالح الأجنبية.

6 – مع ذلك يجب على إفريقيا ألا تيأس أبداً. ما تزال البركات الإلهية وافرة بانتظار استخدامها بحذر وإنصاف لمصلحة أبنائها. حيث توجد الظروف المؤاتية، أظهر أبناؤها أنهم قادرون على بلوغ قمة المساعي والمهارات البشرية، لا بل أنهم بلغوها. هناك الكثير من الأنباء السارة في العديد من أنحاء إفريقيا. لكن وسائل الإعلام الحديثة غالباً ما تميل إلى تسليط الضوء على الأنباء السيئة، وتركز بشكل أكبر على محننا وعيوبنا أكثر منها على الجهود الإيجابية التي نبذلها. أمم كثيرة نهضت من سنوات طويلة من الحرب وهي الآن تسير تدريجياً على درب السلام والازدهار. والحكم الرشيد يترك تأثيراً إيجابياً مهماً في بعض الأمم الإفريقية، داعياً أنظمة الحكم الأخرى إلى إعادة النظر في السلوك السيئ في الماضي والحاضر. هذا ما تبرزه بكثرة المبادرات الكثيرة الساعية إلى إيجاد حلول فعالة لمشاكلنا. هذا السينودس يرجو من خلال شعاره تحديداً أن يكون جزءاً من مبادرات إيجابية مماثلة. إننا ندعو الجميع بلا استثناء إلى التعاون لمجابهة تحديات المصالحة والعدالة والسلام في إفريقيا. كثيرون يقاسون المعاناة والموت: لذا لا يمكن تضييع الوقت.

القسم الثاني

على ضوء الإيمان

7 – تجبرنا خدمتنا كأساقفة على النظر في كل الأمور على ضوء الإيمان. بعيد نشر “الكنيسة في إفريقيا”، نشر أساقفة إفريقيا رسالة رعوية بعنوان “المسيح سلامنا” (راجع الوثيقة الختامية للجمعية العمومية لمؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر في روكا دي بابا، من 1 ولغاية 8 أكتوبر 2000، التي نشرت في أكرا سنة 2001) من خلال مؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر. خلال هذه الجمعية، كثيراً ما ذكرنا أنفسنا بأن مبادرة المصالحة والسلام تأتي من الله. كما يعلن الرسول بولس: “ذلك أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم مع نفسه”. هذا ما يحصل من خلال هبة المغفرة المجانية اللامحدودة “غير حاسب عليهم خطاياهم” ومعرفاً إيانا على سلامه (2 كور 5: 17، 20). والعدالة أيضاً هي عمل الله من خلال نعمته المبررة في المسيح.

8 – في المق
طع عينه، يقول القديس بولس أن الله يضع “بين أيدينا رسالة هذه المصالحة” ويعيننا “سفراء المسيح، وكأن الله يعظ بنا”. هذا هو التفويض السامي الذي نلناه من الله الرؤوف والرحيم. يجب على الكنيسة في إفريقيا أن تكون كعائلة الله وكمؤمنة أداة سلام ومصالحة، على مثال قلب المسيح الذي هو سلامنا ومصالحتنا. كذلك يجب أن تكون قادرة على القيام بذلك إلى حد مصالحتها الذاتية مع الله. لا بد من أن تسمو استراتيجياتها من أجل المصالحة والعدالة والسلام في المجتمع فوق الأساليب العالمية المعتمدة في معالجة هذه المسائل. على مثال القديس بولس، يدعو السينودس جميع الشعوب في إفريقيا قائلاً: “نتوسل بالنيابة عن المسيح منادين: “تصالحوا مع الله” (2 كور 5، 20).

بمعنى آخر، ندعو الجميع إلى السماح لأنفسهم بالمصالحة مع الله. هذا ما يفتح المجال أمام المصالحة الحقيقية بين البشر. وهذا ما يكسر الحلقة المفرغة من العدائية والثأر والهجوم المضاد. في كل ذلك، تبرز أهمية فضيلة المغفرة حتى قبل الاعتراف بالذنب. لا بد للأشخاص القائلين بأن المغفرة غير فعالة من اختبار مساوئ الثأر. إن المغفرة الحقيقية تعزز عدالة التوبة والتكفير عن الذنوب، وتؤدي إلى سلام وصولاً إلى جذور الصراع جاعلة من الضحايا والأعداء السابقين أصدقاءً وإخوة وأخوات. بما أن الله هو الذي يجعل هذا النوع من المصالحة ممكناً، لا بد لنا من تخصيص مجال مناسب للصلاة والأسرار في هذه الخدمة، بخاصة لسر التوبة.

القسم الثالث

إلى الكنيسة في العالم

9 – هذا السينودس يسلط ضوء الاهتمام والتضامن على قارة إفريقيا. نشكر الأب الأقدس على السير مع إفريقيا في كفاحها، والدفاع عن قضيتها بكامل حجم سلطته المعنوية. على غرار أسلافه، لطالما كان صديقاً فعلياً لإفريقيا والأفارقة. خلال مجابهة التحديات، أرشدتنا وقوتنا ثروات وحكمة تعليم البابوات حول المسائل الاجتماعية السياسية. في هذا الصدد، تعتبر خلاصة العقيدة الاجتماعية للكنيسة رفيقاً ملازماً ومورداً نوصي به جدياً لكل المؤمنين العلمانيين، بخاصة للأشخاص الذين يشغلون مناصب مرموقة في جماعاتنا.

10 – لقد اتخذ الكرسي الرسولي العديد من المبادرات المباشرة من أجل مصلحة إفريقيا وتنميتها. ويتجلى أحد الأمثلة عن ذلك في مؤسسة الساحل لمكافحة التصحر في المناطق الساحلية. كذلك لا يسعنا الانتقاص من أهمية الخدمات الكبيرة التي يؤديها الممثلون الحبريون في كنائسنا المحلية. حالياً، ينتشر سفراء الكرسي الرسولي في 50 من أصل 53 أمة إفريقية. هذا دليل مهم على التزام الكرسي الرسولي بخدمة القارة. لذا يعبر السينودس عن تقديره العميق لكل ذلك.

11 – نحيي بمحبة أخوية الكنيسة الجامعة القائمة في أماكن أبعد من السواحل الإفريقية، نحن الأعضاء في عائلة الله الواحدة الموزعون في شتى أنحاء العالم. إن حضور الممثلين من القارات الأخرى في هذه الجمعية ومشاركتهم الفعالة فيها يؤكدان على رابط قربنا الفعال والمؤثر. نشكر كل الكنائس المحلية التي تسعى إلى تأدية الخدمة في إفريقيا ومن أجلها في المجالين الروحي والمادي. وفي مجال المصالحة والعدالة والسلام، ستستمر الكنيسة في إفريقيا في الاعتماد على التأييد الفعال من قبل زعماء الكنيسة في البلدان الغنية والقوية التي تؤدي سياساتها أو تحركاتها أو تقاعساتها إلى التسبب في ورطة إفريقيا أو تفاقمها.

يوجد رابط تاريخي استثنائي بين أوروبا وإفريقيا. لذا، لا بد من ترسيخ العلاقة القائمة بين الهيئتين الأسقفيتين القاريتين، أي بين اتحاد المجالس الأسقفية في أوروبا ومؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر. كذلك نرحب بفرح بالعلاقة الأخوية بين الكنيسة في إفريقيا والكنيسة في الأميركيتين.

12 – كثيرون من أبناء وبنات إفريقيا غادروا بلادهم من أجل إيجاد مسكن لهم في قارات أخرى. كثيرون منهم ينجحون في الإسهام في حياة البلاد التي انتقلوا إليها. وآخرون يكافحون من أجل العيش. إننا نوصيهم جميعاً بالعناية الرعوية المناسبة التي تقدمها الكنيسة عائلة الله حيثما وجدوا. “كنت غريباً فآويتموني” (مت 25، 35) ليست فقط قولاً عن نهاية العالم لا بل واجباً لا بد من إنجازه اليوم. إن الكنيسة في إفريقيا تشكر الله على أبنائها وبناتها المبشرين في قارات أخرى. في هذا الإطار من تبادل الهبات المقدس، من المهم أن يستمر جميع أصحاب المسؤولية في العمل من أجل علاقة شفافة وعادلة وكريمة ومسيحية. خلال دورة السينودس، قبلت الكنيسة في إفريقيا تحدي الاهتمام بالأشخاص المتحدرين من أصل إفريقي في قارات أخرى، وبخاصة في الأميركيتين.

13 – من هنا يرى هذا السينودس ضرورة التعبير عن تقديره العميق للمبشرين ورجال الإكليروس والرهبان والمؤمنين العلمانيين من القارات الأخرى الذين حملوا الإيمان إلى معظم بلدان إفريقيا، والذين يعمل كثيرون منهم بحماسة وتفانٍ بطولي حتى أيامنا الحالية. نوجه شكراً خاصاً إلى من بقوا مع شعبهم حتى في زمن الحرب والأزمات الخطيرة. ومنهم من دفع حياته ثمناً لأمانته.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير