الفاتيكان، الاثنين 11 أكتوبر 2010 (zenit.org). – ننشر في ما يلي المداخلة التي تلاها الأنبا يؤانس زكريا، مطران ايبارشية طيبة – الأقصر للأقباط الكاثوليك، أمام السينودس الخاصّ حول الشرق الأوسط، وهي بعنوان: الدعوة الإرسالية للكنائس الشرقية
قداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر، السادة الحضور، ترتبط هذه المداخلة بالفقرتين رقميّ 19،20، من الفصل الأول، لورقة العمل، اللتين تتحدثان عن الأصل الرسولي والدعوة الإرسالية للكنائس الشرقية. ينصب محور اهتمامي، في هذه المداخلة، على تجديد الأنشطة الإرسالية في كنائس الشرق، وأظن أن ورقة العمل لم تُعالج هذا الموضوع بالقدر الكافي. منذ بدء تاريخ الكنيسة، ومؤمنو الشرق يتميّزون بغيرتهم الرسولية، وحماسهم وانتشارهم لتحقيق وصية الرب، التي تنادي بواجب الكرازة بالإنجيل في جميع أنحاء العالم.
من الشرق انطلق تلاميذ ورسل الرب، ومسيحيو الجيل الأول، للبشارة بالإنجيل، وقاموا بنشر الإيمان المسيحي، وزرعوا وأسسوا الكنيسة في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية. في العصور التالية، واصل أبناء كنائس الشرق عمل الكرازة، وبشروا بالإيمان بلاد النوبة
والواحات المصرية وشمال السودان وإثيوبيا وليبيا وشبه جزيرة العرب وإيران والهند، وبلاد أخرى كثيرة. على سبيل المثال، من طيبة – الأقصر، مصر، التي أتشرف بأن أكون أسقفها، خرج القديس موريس والقديسة فيرينا ورفقاؤهما من الكتيبة الطيبية بالجيش الروماني، وبشروا بالإنجيل، في جنوب سويسرا وألمانيا وجنوب شرق فرنسا، ونالوا إكليل الشهادة من أجل رسالتهم هذه. بعد ذلك بقرون، نرى أن ضعف وانقسام الإمبراطورية الرومانية، وحدة الصراعات القومية، وشدة المنازعات العقائدية بين المسيحيين، والانقسامات الكنسيّة، ثم سيطرة الحكم العربي والإسلامي على بلاد المشرق، قد أدى لتدهور أوضاع الكنائس الشرقية، وأثر على حضورها وتواجدها بالشرق، وبالتالي تراخى حماسها الإرسالي، وضعف نشاطها الكرازي، كما تقول الفقرة رقم 20، من ورقة العمل.
يُعلمنا المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، في مرسومه، إلي الأمم، رقم 2، بأن الكنيسة بطبيعتها هي إرسالية، لذلك على الكنائس الشرقية أن تُجدد طبيعتها ودعوتها الإرسالية، وأن تضع النشاط الرسولي في المرتبة الأولي لرسالتها وأعمالها. انطلاقاً من هذا السينودس، أطلب من كنائسنا الشرقية أن تُجدد غيرتها الرسولية ونشاطها الإرسالي، وتهتم بتنشيط التكوين الإرسالي لأبنائها، وتُحمسهم لكي يكتشفوا دعوتهم الإرسالية، وتُشجعهم ليُكرسوا حياتهم للعمل الإرسالي، فيشتركوا مع أبناء الكنيسة الجامعة، وخاصة كنيسة الغرب، في خدمة الكرازة بالإنجيل في كل أنحاء العالم. أعتقد أن تجديد النشاط الإرسالي في كنائسنا الشرقية، سوف يُعيد لها الحيوية والفعالية، ويُساندها لتحقيق رسالتها، ونجاح خدمتها في بلاد الشرق الأوسط.
بالرغم من أن الكنيسة في الشرق الأوسط، حالياً، هي أقليةً عددية، تعيش في وسط أكثريةً غير مسيحية، وأنها تجاهد ضد خطر زوالها، وتكافح من أجل حفظ الإيمان المسيحي في قلوب مؤمنيها، لكن على هذه الكنيسة أن لا تخاف، ولا تخجل، ولا تتردد في طاعة وصية الرب التي تطالبها بالمواظبة على الكرازة بالإنجيل. على كنائس الشرق أن تهتم بإعادة تبشير أبناءها، وتجديد إيمانهم، وتأخذ على عاتقها، بكل شجاعة وقوة وصمود، مهمة التبشير باسم الرب يسوع لمن يجهلونه، وتنشر نور الإنجيل في محيطها، وفي الأماكن والبلاد التي لا يوجد بها. أيضاً، على أبناء كنائس الشرق أن يصغوا لصوت أحد أبناء الشرق، وهو بولس الرسول، القائل: “التبشير ضرورةٌ فُرضت علىَ، والويل لي إن كنت لا أُبشر” (1 كورنثوس 9:16)، عليهم أن يقتدوا بمثل رسول الأمم، ويعيشوا بمحبة بقداسة، ولا يتكاسلوا في التبشير والشهادة للرب في مجتمعاتهم، ويحققوا قول المعلم الإلهي: “فليضئ نوركم هكذا قُدام الناس، ليشاهدوا أعمالكم الصالحة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات” (متي 5:16). أطالب بتوصية خاصة، تدعو لتجديد النشاط الإرسالي في الكنائس الشرقية، وتأسيس مؤسسات التكوين الإرسالي، وتشجيع الأعمال الرسولية، وتوفير كل الوسائل الممكنة لتفعيل وتسهيل الخدمات التبشيرية، وغرس دعوة الكرازة في قلوب أبناء الشرق، ليقوموا بواجبهم الإرسالي في مجتمعاتهم، وفي كل أنحاء العالم.
“صلوا من أجل انتشار الإنجيل المقدس” (من صلوات القداس القبطي).
شكراً جزيلاً لاستماعكم.
+ الأنبا يؤانس زكريا،
مطران ايبارشية طيبة – الأقصر للأقباط الكاثوليك