خصائص لغة الأمثال الرمزية

يسوع الناصري ووسائل الاتصال الحديثة (10)

Share this Entry

بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الاثنين 6 يناير 2012 (ZENIT.org). – بعد أن قمنا بتحديد أسلوب يسوع التواصلي، فوصفناه بأسلوب “الأمثال الرمزية”، نتوقف الآن للتعمق قليلاً بخصائص هذا الأسلوب التواصلي الفريد. سنستند في تعمقنا على فكر الفيلسوف الفرنسي بول ريكور، وبشكل خاص على كتابه “الرمز يعطي مادة للتفكير” (Le symbole donne à penser). يشرح بول ريكور أن للرمز وجهان متكاملان: فالرمز “يعطي”، أي أنه يقدم وجهة واضحة ذات معنى؛ ولكن ما يعطيه الرمز “يعطينا مادة للتفكير”، يحثنا عن القبول والتقبل، يدفعنا إلى تقبل الواقع الرمزي وتجسيده.
في اعتبارنا للغة الرمزية التي تميّز الأمثال، نقوم بخبرة مزدوجة لمعنى وهوية المكنونات المعتبرة: فمن ناحية، ما يعطى لاعتبارنا هو واقع يُسلّم إلى أيدينا ويستسلم لعقولنا لكي ندركه. ولكن، من ناحية أخرى، هذا الواقع الرمزي عينه يطبعنا ويحولنا. ولهذا فإن عملية فهم وقبول الرمز أو المثل تمر في ثلاث مراحل متكاملة:
– المرحلة الأولى هي مرحلة الظواهرتية. هي المرحلة عندما نفهم المثل في رمزيته. فكل رمز هو محور جاذبية موضوع لا يُمكن سبره بالكامل، وهو الخطوة الأولى لفهم توجهه. إلا أن هذه ليست إلا الخطوة الأولى في سبيل فهم أفقي، شامل، فضولي ولكن دون اهتمام عميق.
– المرحلة الثانية هي مرحلة التأويل. ندخل في هذه المرحلة عندما نسمح للرمز أن يلمسنا، أن يضحي أمرًا هامًا بالنسبة لنا، عندما نلتزم في تأويل الرمز في خلفية حياتنا. لا يبقى الرمز بهذا الشكل مجرد أقصوصة، بل يضحي واقعًا يلمس وجودنا وقصة حياتنا. وحده الرمز المؤوَّل يستطيع أن يضحي لا فقط ذا معنى، بل ذا معنى بالنسبة لي ولوجودي الشخصي. يستطيع، بكلمات أخرى، أن يتغلغل في وجودي الشخصي ليحوله بشكل فاعل.
– المرحلة الثالثة هي مرحلة التفكير انطلاقًا من الرمز. هذه المرحلة الثالثة هي نتيجة بديهية ومنطقية للثانية. فبعد أن أسنح للرمز أن يتداخل في حياتي، يضحي حافزًا حيًا نحو “التوبة” بمعناها العميق (metanoia) أي نحو التحول الجوهري والخلقي. الرمز الذي يشرح الواقع يضحي هنا ركيزة لممارسة مستديمة، لأسلوب عيش اعتيادي. يسهم الرمز بهذا الشكل في إدراج الإنسان في كلية ذات معنى، ويجذّر بالتالي الإنسان في كلية معنى وجوده.
مسيرة الرمز الحقة والكاملة تمتد من فهم الرمز إلى التحول إليه. وقد أصاب عالم النفس كارل غوستاف يونغ عندما قال أن الرموز ليست إسقاطًا للبعد الطفولي والغرائزي في النفس، بل هي موضوعات تستبق إمكانية التطور والنضج في الإنسان.
قلة هم خبراء التفلسف العقلي الجاف، ويسوع كان يعرف هذا الأمر خير معرفة؛ لذا اعتمد بإدراك وصواب السرد والأمثال، فتَمَكّنَ من محاكاة الجميع. أسلوبه الحكمي السردي سنح له أن يلاقي كل إنسان في “حالته الحياتية” (Sitz im Leben). لم يكن سرده القصصي مجرد حلم ووهم، بل – كما يصف الشاعر الألماني غوتي هذا الأسلوب البلاغي – كان كشفًا حيًا وآنيًا لما لا يمكن سبر أعماقه.
في حديثه عن الأمثال، يقول اليسوعي أنطوني دي ميلو: “لا تحتقروا القصة. فكما يمكننا أن نجد دينارًا ذهبيًا بواسطة شمعة بخسة الثمن، كذلك يمكننا أن نجد الحقائق العميقة بفضل قصة بسيطة”. تتواصل القصص مع المخيلة، وهي بعد في الكائن البشري يسبق ويؤسس البعد الفكري، هي منطقة الاستعدادات ما قبل الدينية، حيث تتهيأ استعداداتنا لقبول أو رفض الحقيقة الدينية، كما شرح بشكل وافٍ وثاقب الكاردينال نيومان.
خلاصة القول، إن الأمثال هي مشابهة لسر التجسد وقريبة من تواضعه. فالرب الذي تعالى على أذهاننا شاء أن يضحي ملموسًا في تواضع تجسده، كذلك الأمثال، هي علامة من علامات تواضع الله الذي ينحدر إلى أفهامنا فيحاكينا – لا من حيث هو يعلو ويتسامى – بل يلاقينا حيث  تستطيع مداركنا، مشاعرنا وبشريتنا أن تلمسه.
(تمّ)

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير