المكسيك، الأحد 25 مارس 2012 (ZENIT.org). – أعلن البابا بندكتس السادس عند وصوله إلى مطار غواناخواتو الدولي في المكسيك يوم الجمعة 23 مارس بتمام الساعة الحادية عشر والنصف ليلاً بتوقيت روما أي الخامسة بالتوقيت المحلي أنّه “جاء كحاج للإيمان والرجاء والمحبة” مشدداً على الحرية الدينية بمعناها المتكامل.
ننشر في ما يلي الخطاب الأول للبابا بندكتس السادس عشر:
* * *
فخامة رئيس الجمهورية،
نيافة الكرادلة،
إخوتي الموقرين الأساقفة والكهنة،
حضرات ممثلي السلطات المحترمين،
يا شعب غواناخواتو؛ أيها الشعب المكسيكي العزيز،
يغمرني فرح شديد بالتواجد هنا بينكم، وإني أشكر الله إذ سمح لي بأن أحققّ رغبة لطالما تملّكت قلبي، ألا وهي أن أتمكّن من تثبيت شعب الله المنتمي إلى هذه الأمة العظيمة في الإيمان ومن على هذه الأرض بالتحديد. فحرارة استقبال الشعب المكسيكي لخليفة بطرس الذي يحمل على الدوام هذا الشعب في صلواته هي مثالية بالفعل. إنّي أقول هذا وقدماي تطآن المكان الذي يُعتبر مركزاً جغرافياً لأرضكم، المكان الذي لطالما رغب سلفي المكرّم البابا يوحنا بولس الثاني أن يحلّ فيه منذ الزيارة الأولى. وبما أنّ الظروف حالت دون تحقيقه هذه الرغبة، ترك رسالة تشجيع ومباركة خلال تحليقه في أجواء هذه البلاد. إنّي سعيد جداً بأن أردد صدى كلماته على الأرض وأنا هنا بينكم. قال البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته: “أشكر الله على التعاطف الكبير مع البابا، وعلى أمانة مؤمني باخيو وغواناخواتو للرب (راجع البرقية Télégramme بتاريخ 30 يناير 1979).
وفي هذه الذكرى المؤثرة، أشكركم، فخامة الرئيس، على استقبالكم الحار، وأحيي باحترام السيدة الأولى المميزة، وأصحاب السلطة الذين رغبوا بتكريمي من خلال حضورهم. وأوجّه سلاماً خاصاً للمونسنيور خوسيه غودالوبيه مارتين راباغو أسقف ليون، والمونسنيور كارلوس أغيار ريتيس أسقف تلانيبانتلا، ورئيس مجلس أساقفة المكسيك ومجلس أساقفة أميركا اللاتينية.
أرغب من خلال هذه الزيارة القصيرة أن أصافح جميع المكسيكيين وأعانق جميع الأمم والشعوب في أميركا اللاتينية، الممثلة خير تمثيل من خلال عدد من الأساقفة، ومن هذا المكان بالتحديد حيث يقوم التمثال المهيب ليسوع الملك من على جبل كوبيليتيه بتسليط الضوء على تجذّر الإيمان الكاثوليكي بين المكسيكيين الذين يسعون إلى نيل بركته الدائمة في جميع الأحداث التي ترسم حياتهم.
هذا وقد احتفلت المكسيك وغالبية بلدان أميركا اللاتينية بالذكرى المئوية الثانية للاستقلال، فيما تنتظر بعض الدول الأخرى الاحتفال بهذه الذكرى خلال السنوات القليلة المقبلة. كثيرة كانت الاحتفالات الدينية التي أقيمت كعربون شكر لله على هذه اللحظة المهمة والجوهرية. في مثل هذه الاحتفالات، كما في خلال الذبيحة الإلهية في كاتدرائية القديس بطرس في روما، وبحضور سيدة غوادالوبيه، دعونا بحرارة أمنا القديسة مريم كلية الطوبى التي أظهرت لنا بلطف كيف أنّ الرب يحبنا جميعاً، ويعطي ذاته لكلّ منا من دون تمييز. أمّنا السماوية استمرّت بالسهر على إيمان أبنائها منذ قيام هذه الأمم وحتى أيامنا هذه، في حين تواجه هذه الشعوب تحديات جديدة.
آتي اليوم كحاج للإيمان والرجاء والمحبة، راغباً بأن أثبّت في الإيمان المؤمنين بالمسيح، وأقوّيهم في هذا الإيمان من خلال دعوتهم إلى إعادة إحيائه بالإصغاء إلى كلمة الله، ومن خلال الأسرار المقدسة والحياة المستقيمة. هكذا سيتمكن المؤمنون من مشاركة إيمانهم مع الآخرين، ويكونوا مرسلين بين إخوتهم، وخميرة صالحة في المجتمع بفضل مساهمتهم في تعزيز التعايش السلمي والمبنيّ على الاحترام والكرامة منقطعة النظير لكلّ إنسان خلقه الله، والتي لا يحقّ لأي قوة نسيانها أو التقليل من شأنها. وتتجلى هذه الكرامة بوضوح من خلال الحق الأساسي بالحرية الدينية بمعناها الحقيقي والمتكامل.
وكحاج للإيمان أرددّ مع القديس بولس: ” لا تحزنوا كسائر الناس الذين لا رجاء لهم” ( 1 تس 4، 13). فالثقة بالله تمنح اليقين بلقائه وباستقبال النعمة، وعلى هذا يقوم رجاء المؤمن. وإنّه إذ يدرك ذلك، يسعى جاهداً إلى تحويل الهيكليات والأحداث الراهنة غير السارة، والتي تبدو مستعصية ويستحيل تذليلها، من خلال مدّ يد المساعدة إلى الذين لا يجدون في الحياة لا معنى ولا مستقبل. أجل، فالرجاء يغيّر الوجود الملموس لكل رجل وامرأة بطريقة حقيقية (راجع Spe salvi، 2). ويشير الرجاء إلى “سماء جديدة وأرض جديدة” (أع 21، 1) مما يسمح بإضفاء بُعد ملموس إلى بعض انعكاساته.
من جهة أخرى، حين يتجذر الرجاء في شعب ما، وحين تتمّ مشاركتها، يقوم بالانتشار مثل نور يدحر الظلمات التي تُعتم وتجرح. هذا الشعب وهذه القارة مدعوان إلى عيش الرجاء بالرب كقناعة عميقة، من خلال تحويلها إلى موقف يتخذه القلب والتزام ملموس إلى السير معاً نحو عالم أفضل. وكما سبق وقلت في روما، “إنّهم يستمرون ومن دون أن تثبط عزيمتهم ببناء مجتمع يقوم على تنمية الخير، وانتصار الحب وانتشار العدالة” (Homélie en la solennité de Notre Dame de Guadalupe، 12 ديسمبر 2011).
فبفضل الإيمان والرجاء، يعيش المؤمن بالمسيح والكنيسة جمعاء المحبة ويطبّقها باعتبارها عنصراً أساسياً من رسالته. فالمحبة بمعناها الأول هي “ببساطة وقبل كلّ شيء الاستجابة إلى ما يُشكّل في ظرف معيّن ضرورة ملحّة” (Deus caritas est, 31a)، مثل مساعدة الجائعين أو المشردين أو المرضى أو المحتاجين في أي من جوانب
حياتهم.
لن يتمّ استثناء أيّ إنسان من رسالة الكنيسة هذه بسبب أصله أو معتقده، هذه الرسالة التي لا تنافس أياً من المبادرات الأخرى الخاصة أو العامة؛ بل تتخطاها وتعاون بفرح أولئك الذين يسعون إلى تحقيق الغايات نفسها. فهي لا تسعى إلّا إلى تحقيق خير المحتاجين باحترام وبعيداً عن الأنانية، وعلى وجع الخصوص خير الذي يفتقر قبل كلّ شيء إلى دليل على الحب الحقيقي.
سيدي الرئيس، أصدقائي الأعزاء، أسأل الرب وعذراء غوادالوبيه أن يكون هذا الشعب وفياً لإيمانه وتقاليده. وأصلي بشكل خاص على نية من هم أكثر حاجة، وجميع المتألمين من جراء العنف والحقد والخلافات القديمة والجديدة. أعرف أنّي موجود في بلد يعتزّ بحسن الضيافة ويرغب بألا يشعر أيّ ضيف بأنه غريب فيه. وآمل من كلّ قلبي أن يشاطرني هذا الشعور كثير من المواطنين المكسيكيين المقيمين خارج بلادهم والراغبين برؤية بلدهم يسير على درب التنمية الحقيقية والمتكاملة. وشكراً جزيلاً.
* * *
نقلته من الفرنسية إلى العربية كريستل روحانا – وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية