البابا إلى أساقفة المكسيك: لستم وحدكم في الضيقات ولا وحدكم في العمل التبشيري

الزيارة الرسولية لقداسة البابا بندكتس السادس عشر الى المكسيك وجمهورية كوبا

Share this Entry

المكسيك، الاثنين 26 مارس 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة البابا بندكتس السادس عشر لدى ترؤسه الاحتفال بصلاة الغروب مع أساقفة المكسيك وأميركا اللاتينية في كاتدرائية أم النور الكلية القداسة، في ليون، مساء الأحد 25 مارس 2012.

* * *

السادة الكرادلة،

إخوتي الأساقفة الأعزاء،

إني لفرح كثيرا لأنني أشارككم الصلاة التي نرفعها في كاتدرائية ليون لسيدة النور Notre Dame De Lumiere ( Nuestra Seora de la Luz) أمام الصورة التي نكرمها في هذا المعبد و التي تمثل السيدة العذراء وهي تحتضن طفلها بحنان كبير في يد وتمد يدها الثانية لتخلص الخطأة. هكذا تصوّر الكنيسة مريم على مرّ العصور وتشيدها لإعطائنا المخلص وتسلم نفسها لها بكليتها لتكون الأم التي تركها لنا إبنها الحبيب على الصليب. لذلك نحن غالبًا ما نتضرع إليها كـ “رجائنا” لأنها أعطتنا يسوع ونقلت إلينا العظائم التي حققها ويحققها الرب دائما مع البشرية، فهي تسعى إلى إفهامنا إياها كما تُفهم الأم صغارها.

تقدم لنا القراءة الموجزة التي قمنا بها خلال صلاة المساء دليلا حاسما عن هذه العظائم. سكان القدس و قادتها لم يعرفوا المسيح ولكن عندما حكموا عليه بالموت حققوا مقولة الأنبياء ( راجع حب 27،13). أجل، فشرّ الإنسان وجهله لن يستطيعا أن يقفا بوجه مشروع الخلاص فلا يمكن للشر أن يغلب دائما.

يذكرنا المزمور الثاني بعجيبة أخرى من عجائب الله: تحولت “الصخور” إلى “غدران و الصوان إلى عيون مياه” (راجع مز 8،114) وما كان يشكل حجر عثرة تحول مع انتصار المسيح على الموت إلى حجر الزاوية: ” هذا هو عمل الرب، وهو عجيب في أعيننا” (مز 23،118)، لذا ليس هناك ما يدعو إلى الاستسلام للشر، ونسأل الرب القائم من الموت أن يظهر قوته في ضعفنا ونقصنا.

انتظرت بفرح كبير كي يتم هذا اللقاء بيني وبينكم، أنتم رعاة كنيسة المسيح التي هي اليوم في حج في المكسيك وفي بلدان أخرى من هذه القارة العظيمة، سأستغل هذه الفرصة لنتأمل معًا بالمسيح الذي أوكل إلينا هذه المهمة العظيمة ألا وهي إعلان الإنجيل لهذه الشعوب التي لا تزال تتبع التقليد الكاثوليكي. أفهم أن الوضع الحالي لأبرشياتكم يقدم بالتأكيد تحديات وصعوبات مختلفة ولكن بما أننا نعلم بأن المسيح قام من بين الأموات، يمكننا أن نواصل مسيرتنا ونحن مقتنعون بأن الشر لا يغلب دائما وبأن الله قادر على فتح مساحات جديدة للرجاء الذي لا يخيب (روم 5،5).

أشكر رئيس أساقفة تلانيبانتلا Tlalnepantla ،رئيس مجلس أساقفة المكسيك ومجلس أساقفة أميركا اللاتينية اللذان رحبا بي وأطلب إليكم جميعًا أنتم يا رعاة الكنائس المختلفة أن تنقلوا الى المؤمنين بعد عودتكم إهتمام البابا العميق وحنانه فهو يحمل في قلبه جميع معاناتكم و آمالكم.

أتأمل في عيونكم فأرى انعكاسات اهتمامكم برعاياكم فتراودني جمعيات سينودس الأساقفة حيث يصفق المشاركون بعد أية مداخلة يقوم بها شخص ما ويخبر عما يبذله في سبيل الكنيسة. هذا العمل يُدفق حبًّا للمسيح ويظهر الأخوة في العمل الرسولي الى جانب الإمتنان والإعجاب بالذين يزرعون كلمة الله بين الأشواك بعضهم مهمش والبعض الآخر مضطهد، ولا يخلو الأمر من وجود الصعوبات التي تعيق حرية الكنيسة وتمنعها من نشر رسالتها بالإضافة إلى غياب الوسائل والموارد البشرية التي يمكن أن تساعدها.

يشارككم خليفة بطرس مشاعركم ويشعر بالإمتنان لعنايتكم الرعوية الصبورة والمتواضعة. لستم وحدكم في الضيقات ولا وحدكم في تحقيق التبشير. نحن جميعًا متحدون في المعاناة والعزاء(راجع 2 كور 5،1). إعلموا أن لديكم مكانة خاصة في صلاة من وضع على عاتقه المسيح أن يثبت إخوته بالإيمان (راجع لوقا 22،31) وهو الذي يشجعهم على أن يعلنوا المسيح ويتبعوه من دون أن يخافوا من المصاعب التي ستواجههم.

خلّف الإيمان الكاثوليكي بصمة في حياة وتقاليد وتاريخ هذه القارة حيث تحيي عدة دول الذكرى المئوية الثانية لاستقلالها. هذه لحظة تاريخية حيث لا يزال يلمع إسم المسيح وهو وصل إلى هنا عن طريق مبشرين بارزين ومخلصين أعلنوه بجرأة وحكمة. أعطوا كل شيء من أجل المسيح ليبينوا أن الإنسان يجد نفسه في المسيح كما يجد فيه القوة التي يحتاجها ليعيش ويبني مجتمعًا يليق بالإنسان كما أراد الخالق.لا يزال  الله يشكل أولوية في حياةرعاةاليوم وبدورهم عليهم أن ينقلوا كلمته للعالم أجمع باستخدام طرقهم الخاصة وعاداتهم.

المبادرات التي تتحقق في إطار سنة الإيمان، يجب أن تكون موجهة بحيث ترشد العالم نحو المسيح فنعمه تسمح لهم بالتخلص من سلاسل الخطيئة والمضي قدما نحو حرية حقيقية ومسؤولة.الإرساليةالقارية التي تم الترويج لها في أبارسيدا Aparecida تساعد حتما لتحقيق هذا الهدف والتجدد الكنسي يعطي ثماره في كنائس أميركا اللاتينية والكاراييب، من بينها دراسة و نشر الأسفار المقدسة والتأمل بها هكذا نعلن حب الله وخلاصنا. من هذا المنطلق أحثكم على الإستمرار في الغرف من كنوز الإنجيل لتصبح قوة أمل وحرية وخلاص لكم (راجع روم 16،1). كونوا دائما شهود حق تنقلون كلمة الإبن المتجسد الذي عاش لتحقيق مشيئة الآب وكونه أنسان مثلنا كرس نفسه لنا حتى الموت.

إخوتي الأساقفة، في هذا الأفق الرعوي والإنجيلي الذي يفتح أمامنا، من المهم إيلاء انتباه خاص للإكليريكيين وتشجيعهم :” إنما شئت ألا أعرف شيئا وأنا بينكم غير يسوع المسيح بل يسوع المسيح المصلوب” (1 كور 2،2).

أما القرب من الكهنة فليس أقل أهمية، فلا ينبغي أن يفتقروا إلى التفهم والتشجيع من قبل أساقفتهم وإذا لزم الأمر تصحي
ح أخطائهم. هم المعاونون الأولون فيشركة الكهنوت الأسراريةفيجب أن يظهروا لهم الاحترام والتبجيل. الأمر نفسه ينطبق على الأشكال المختلفة للحياة المكرسة حيث يجب أن تتقدر المواهب وتتابع بمسؤولية مع احترام الموهبة الممنوحة، كما يجب إعطاء اهتمام خاص للعلمانيين الملتزمين في التعليم المسيحي، والنشاط الخيري، والمشاركة الإجتماعية. ترسيخ الإيمان فيهم أمر ضروري لجعل كلمة الإنجيل خصبة في مجتمع اليوم، كما لا يجب أن يشعروا بأن الكنيسة لا تحضنهم على الرغم من الحماس الذي يضعونه في العمل والتضحية الكبيرة التي يقومون بها.في هذا السياق، من المهم للرعاة أن تحل روح الشراكة بين الكهنة، والرهبان، والعلمانيين، مع تجنب الإنقسامات الكبيرة، والنقد، وعدم الثقة.

أدعوكم من خلال هذه التمنيات أن تكونوا من بين الذين يسبحون ليلا ونهارا الله الذي منحهم الحياة. كونوا إلى جانب من همشتهم السلطة وتجاهلهم العالم وهم الذين بحاجة الى العناية. لا يمكن للكنيسة أن تفصل بين تسبيح الله وخدمة العالم، فالله الواحد الخالق هو الذي جعلنا إخوة: أن تكون إنسانًا يعني أن تكون أخا ووصيا على القريب. من هذا المطلق الإنساني يجب أن تعيد الكنيسة إحياء ما فعله المسيح، كالسامري الصالح الآتي من بعيد، دخل في حياة البشر انتشلهم من أوجاعهم وشفى جراحاتهم.

إخوتي الأساقفة، إن الكنيسة في أميركا اللاتينية والتي توحدت عدة مرات مع المسيح في آلامه، يجب أن تزرع دائما الأمل الذي يتيح لكل شخص أن يرى كيف تغني ثمار القيامة الأرض.

لتبدد أم الله، سيدة النور ظلام هذا العالم و تنير دروبنا لنتمكن من أن نثبت شعب أميركا اللاتينية في الإيمان على الغرم من الصعوبات التي يواجهها بالإضافة الى تثبيته وترسيخ إيمانه بالذي يستطيع كل شيء ويحب الجميع للغاية. آمين.

* * *

تعريب وكالة زينيت العالمية

جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير