اسطنبول 6 يناير 2006 (zenit.org ). – قام الأب الأقدس أثناء رحلته إلى تركيا بخطوة جبارة نحو تخطي سوء التفاهم مع العالم الإسلامي: هذه هي كلمات الأب روبن تيرّابيانكا الفرنسيسكاني، الذي تابع عن كثب زيارة البابا إلى تركيا.
الأب روبن تيرّابيانكا من رهبان القديس فرنسيس في المكسيك، يهتم حاليًا بتنظيم الجماعة الفرنسيسكانية في دير القديسة مريم داربيريس في تركيا.
في هذه المقابلة مع زينيت، يعرض الأب الفرنسيسكاني، كعضو في الجماعة الكاثوليكية الصغيرة في تركيا خبرته، ويتحدث عن تأثير زيارة البابا على الكاثوليك الأتراك من جهة، وعلى العلاقات بين الثقافات والأديان المختلفة من جهة أخرى.
كيف تحضر الكاثوليك الأتراك لزيارة البابا وكيف كان استقبال بندكتس السادس عشر؟
لقد عشنا أوقاتًا جد مميزة في تركيا أثناء التحضير لزيارة البابا. فإضافة إلى التركيز على تحضيرنا كجماعة كاثوليكية في دولة ذات أكثرية مسلمة، كنا واعين بأن أعين العالم بأجمعه مسلطة على هذه الزيارة التي يقوم بها بندكتس السادس عشر إلى تركيا، نظراً لأهميتها السياسية بالإضافة إلى الأهمية التي تحملها على صعيد العلاقات بين الحضارات والأديان.
وقد حاولنا أن نجيب ببساطة وشفافية على الاتصالات الكثيفة التي قام بها الصحفيون لمعرفة كيف يعيش المسيحيون في تركيا؟ ما معنى زيارة البابا بالنسبة إلينا؟ لماذا لا يمكن ارتداء الملابس الإكليريكية علنًا؟ هل نخاف من ردات فعل المتطرفين؟…
أعتقد أنه من الأفضل أن يأتي الصحفيون أنفسهم إلى هنا لكي يختبروا عيشتنا عن كثب، ويتفادوا هكذا بعض العناوين الصحافية التي قد تولد المشاكل.
ما هو وضع المؤمنين الكاثوليك في تركيا الآن؟
إن الصعوبات التي نعيشها الآن والقيود الاجتماعية التي تفرض علينا، ليست بمختلفة عما كانت عليه في عهد الرسل. فكتاب أعمال الرسل يتحدث عن كنيسة ناشئة في الإمبراطورية الرومانية التي تنتشر فيها الأديان المتعددة الآلهة.
إن تركيا دولة علمانية جمهورية ذات أكثرية سكانية مسلمة، ولكن الحذر الذي ينظر من خلاله إلى الرسالة الإنجيلية هو مشابه لأيام الإمبراطورية الرومانية: إذ يعتقد أن الديانة المسيحية تتوق إلى تقيض الهوية الوطنية ووحدة الدين.
أما بالواقع، فالمسيحية الأصيلة تقود إلى تفاهم إنساني أعمق وإلى تعايش أكثر سلمية.
في هذه الأوقات حيث تبدو العلاقة بين المسيحية والإسلام متوترة، ما هو معنى زيارة البابا إلى تركيا، أي إلى دولة ذات أكثرية مسلمة؟
“أبحث عن الضالة وأردّ الشاردة وأجبر المكسورة وأقوي الضعيفة” (حز 34، 16). تذكرت هذه الآية وأنا أفكر بزيارة البابا بندكتس السادس عشر للكنيسة التركية.
فجماعتنا الكاثوليكية قليلة العدد، تحتاج إلى تشجيع. ولكنها في هذه الأيام التقت براعيها، ممثل الراعي الصالح يسوع المسيح.
كان على الصحفيين الذين رافقوا البابا في الطائرة أن يسلطوا الأضواء على الناحية الراعوية كالغاية الأولى والأساسية من زيارة البابا إلى تركيا. فرغبتنا في تركيا كانت اللقاء براعينا وأبينا، وأن ننعش معه إيماننا ونبتهج بالرجاء الذي لا يخيب.
تتمنى الكثير من الدول والجماعات أن يزورها البابا، وهو اختار أن يأتي إلينا لكي يداوي الخراف الجريحة ويعتني بالمريضة منها، ويشدد الإيمان في بقعة الأرض هذه التي تقع بين قارتين.
لقد شاركت في هذا اللقاء عن كثب. هلاّ أخبرتنا عن اللقاء بين البابا والشعب المسيحي في تركيا؟
“في تلك الأيام سيتاح لكم أن تؤدوا الشهادة” (لو 21، 13). كرس البابا اليوم الاول من زيارته إلى البروتوكول واللقاءات الرسمية وفي الخطابين اللذين ألقاهما قداسة البابا بندكتس السادس عشر سمعنا جملاً مشجعة تعبر عن عزم الكنيسة الكاثوليكية للالتزام بالحوار “كوسيلة للقاء بين الحضارات والأديان”.
وقد استشهد البابا بكلمات الدستور المجمعي “فرح ورجاء” الذي يصرح قائلاً: “السلام ليس غياب الحرب” بل “ثمرة النظام الذي يزرعه الخالق في المجتمع البشري من أجل الإنسان المتعطش دومًا للعدالة الكاملة” (عدد 78).
هذه الكلمات تذكرني شخصيًا بمداخلات البابا يوحنا بولس الثاني الوفيرة حول موضوع السلام الحقيقي والدائم.
من الضروري أن تلهم كلمات الإنجيل المقدس سبلنا وعملنا التبشيري في الكنيسة.
نعرف جميعنا أن زيارة البابا كانت محفوفة بعدة مخاطر. والخطر الأكبر كان كيفية فهم كلمات البابا. يقول لنا يسوع في الإنجيل: “لن تقع ولا شعرة من رؤوسكم!”.
والآن وقد عاد البابا إلى الفاتيكان، ينبغي علينا أن نتابع المسير مستلهمين مثله وتعليمه لأنه، كما يعلمنا الرب يسوع: “بثباتكم تربحون نفوسكم”.
ما هي الناحية الأهم من هذه الزيارة بنظرك؟
نعرف أن الدافع الأهم والأساسي لهذه الزيارة قد كان الإرادة المشتركة بين الكاثوليك والأرثوذكس في المضي قدمًا في الحوار المسكوني نحو وحدة المسيحيين، وهذا التزام إنجيلي يطال كل مسيحي.
وقد تقبلنا الإعلان المشترك الذي وُقع في 30 نوفمبر برجاء كبير أن يكون نقطة انطلاق تتخطى الأحكام المسبقة وتحملنا إلى الاحتفال كإخوة بإيماننا الثالوثي المشترك بالرب يسوع، ابن الله، الحاضر في الافخارستيا والعامل في الكنيسة.
كراهب فرنسيسكاني يعمل في مجال الحوار المسكوني، ما هي الثمار التي تجنيها من هذه الزيار
ة؟
تشكل هذه المناسبة بالنسبة لنا – الرهبان الفرنسيسكان من أخوية القديسة مريم درابريس العالمية – حدثًا فريدًا وتاريخيًا. فأخويتنا التي تهتم بالحوار المسكوني منذ ثلاث سنوات تعتبر زيارة البابا هذه بركة كبيرة.
أذكر الآن ما قاله لنا غبطة البطريرك المسكوني برثلماوس الأول عندما استقبالنا في الدار البطريركية في 30 ديسمبر 2003 عندما سأله أحد الإخوة أن يبارك مشروعنا ويزودنا بنصائحه. فقد كان جوابه: “أحبوا هؤلاء القوم” مشيرًا إلى الشعب التركي.
ومن ناحيته، وهب البابا بندكتس السادس عشر الكنيسة الجامعة رسالته الرسولية: “الله محبة” (Deus Caritas Est) ولا يمكننا أن نطلب المزيد، فقد تلقينا كل ما يكفي لنقوم برسالتنا ونلتزم جديًا بالحوار.