مع إطلالة سنة صعبة على الاسرائيليين والفلسطينيين وسائر شعوب الشرق الأوسط، يأخذ عمل تنسيق المجالس الأسقفية الأوروبية والأمريكية لدعم الكنيسة في الأراضي المقدسة طابعًا هامًا لم يسبق له مثيل. ففي بلادنا وبين جماعاتنا الكاثوليكية، هناك الكثير من الاهتمام والقلق بشأن الوضع في الشرق الأوسط. ويمثل هذا التنسيق الأساقفة الكاثوليك من المجالس الأسقفية في أوروبا وأمريكا. وقد تم إنشاؤه في أورشليم بتشجيع من الكرسي الرسولي سنة 1998.

وقد كانت هذه الزيارة السابعة من نوعها إلى الأراضي المقدسة للسير بالتضامن مع الكنيسة المحلية وأساقفتها، في طريق البحث عن سلام عادل. نحثّ الكاثوليك من جميع الدول لكي يسيروا على خطواتنا، وخطوات الملايين من الحجاج، فيزوروا الجماعات المسيحية المتواجدة في الأراضي المقدسة. ندعوهم لكي "يأتوا وينظروا".

لقد قدم معظمنا الى غزة لزيارة الجماعة المسيحية والمسلمين والقادة الفلسطينيين. وتم استقبالنا بحرارة من قبل أشخاص يرجون مستقبلاً أفضل وهم يعيشون في الفقر المدقع. ثم زارت البعثة بأسرها الجليل والتقت بـ "الأحجار الحية" المؤلفة من الجماعات المسيحية. صلينا معهم وأصغينا لأخبار فرحهم وقلقهم، وتعرفنا على مبادراتهم الرامية إلى بناء مستقبل مشترك مع مؤمنين من جميع الأديان. واختبرنا حوارًا مشجعًا بين الأديان في حلقة جمعت يهوديًا، مسيحيًا، مسلمًا ودرزيًا.

وتم تذكيرنا تكرارًا ومرارًا أن الحجاج إلى الأراضي المقدسة ينبغي عليهم أن يزوروا، إلى جانب الأماكن المقدسة، الجماعات المسيحية هناك. وناقشنا مع وزير السياحة، إسحق هرزوغ السبل لتشجيع وتحسين رحلات الحج والزيارات.

إن الحضور المسيحي له تأثير إيجابي يقود إلى الاعتدال وهو ضروري لتحقيق السلام. وكما قال البابا بندكتس السادس عشر مؤخرًا: "الشهادة المسيحية ستكون عاملاً مساعدًا وداعمًا لمستقبل أخوة وسلام".

فالمسيحيون هم أقلية من حيث العدد ولكنهم جزء متكامل مع شعب إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ينبغي أن تصان حقوقهم من خلال الاعتراف بالمساواة وتحسين الأوضاع الأمنية، إلى جانب الحقوق الدينية التي ينص عليها القانون.

إن الاتفاق الرئيسي بين الكرسي الرسولي وإسرائيل مبني على حقوق حددت عبر القرون من أجل تسهيل الرسالة الفريدة التي تقوم بها الكنيسة في الأراضي المقدسة. فحيوية الكنيسة ومؤسساتها في إسرائيل، ومن بين ذلك المستشفيات والمدارس ونُزُل الضيافة التي تقدم خدمات قيّمة للجماعة بأسرها، ستتحسن عندما ستُقَرّ الاتفاقية ومقاييس أخرى في قوانين ثابتة توضع قيد التطبيق. وقد سعت الكنيسة لمدة أكثر من عقد إلى تحقيق هذه الغاية.

نطلب من السلطات الاسرائيلية أن تسمح للمفاوضات حول "الاتفاقية الأساسية" أن تتكلل بالنجاح في وقت قريب. فمنح تأشيرات السفر والتراخيص للعاملين الكنسيين يبقى أحد الأولويات الطارئة.

إن إيماننا بالله الواحد يضطرنا أن نعمل لأجل خير الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني ومؤمني الديانات الثلاث الذين ينتمون إلى عائلة الله الواحدة. كرعاة وأساقفة، نثبّت الخطاب الذي ألقاه الأب الأقدس مؤخرًا على السلك الدبلوماسي والذي قال فيه: "من حق الإسرائيليين أن يعيشوا بسلام في دولتهم؛ ومن حق الفلسطينيين أن يكون لهم وطنًا سيدًا حرًا"  (8 يناير 2007).

وفي لقاء مع نائب رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريس، عبّرنا عن تفهمنا للتحدي الأمني الذي يتوجب على إسرائيل مواجهته. وناقشنا التخفيضات المقترحة في عدد الحواجز الأمنية والاقتراح بفك الضبط المفروض على مداخيل الضرائب الفلسطينية التي بإمكانها أن تكون علامات مشجعة، ولكننا ركزنا على ضرورة مبادرات شجاعة من أجل الخروج من دائرة الخوف الاسرائيلي والغضب الفلسطيني التي تسيطر على الأوضاع الحالية.

إن مستقبل شعوب الأراضي المقدسة يعتمد على ضمان سلام عادل ودائم. فمن الواضح أن هناك ألم عميق لدى الطرفين. ينبغي أن تُبنى الثقة المشتركة عبر إجراءات خاصة تؤدي إلى ذلك. فتأسيس دولة فلسطينية تنهي الاحتلال  يتطلب أراضٍ مناسبة ويطرح علامة استفهام حول الجدار الأمني الفاصل وانتشار المستوطنات في الضفة الغربية. وفي الوقت عينه، يحتاج الفلسطينيون إلى حرية التنقل لكي يستطيعوا العمل وزيارة أقربائهم، والحصول على العناية الطبية والتحصيل العلمي. ينبغي تجنب المعاملة المهينة عند الحدود والحواجز. وبما أن العائلة هي أساس المجتمع، يتوجب على القوانين الإسرائيلية أن تسمح لمّ شمل العائلات التي تضم زوجًا فلسطينيًا.

وفي لقاء مع الرئيس محمود عباس، أشرنا إلى معاينتنا أثناء زيارتنا لآلام الشعب الفلسطيني وحالة الحرمان التي يعيشها على وتيرة يومية. الوحدة بين الزعماء الفلسطينيين ضرورية لكي يستطيعوا أن يتداولوا من أجل سلام عادل ويبنوا مستقبلاً أفضل. فوقف العنف والاعتراف بدولة إسرائيل من قبل كافة عناصر المجتمع الفلسطيني سيساعد في إعادة بناء ثقة المجتمع الدولي وبالتالي في دعم السلطة الفلسطينية.

وقد أكد الرئيس عباس من جهته ضرورة دعم المجتمع الدولي لعملية سلام جديدة، طارئة وأكثر جدية.

وقد لاحظنا في هذه الزيارة السابعة أنه، بعد مرور 59 سنة على بدء الصراع، ما زالت الآمال معلقة بإيجاد حالة أمن دائمة وسلام عادل. من الواضح أن هناك حاجة إلى أمر جديد وإضافي لتحقيق السلام والعدالة لكي يتمكن الإسرائيليون أن يتخطوا الخوف الذي يقودهم إلى اتخاذ إجراءات أمني ة غير مثمرة وقمعية ضد الشعب الفلسطيني. وعلى الشعب الفلسطيني أن يتخطى الغضب واليأس المؤدي إلى العنف، الذي بدوره يروع الشعب الإسرائيلي.

كما وفرحنا لعلمنا بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي والرئيس الفلسطيني سيلتقون قريبًا بوزيرة الخارجية الأميريكية من أجل العمل سوية لسلام عادل.

بالشراكة مع أساقفة الأراضي المقدسة، نحض الكاثوليك على الصلاة من أجل السلام، وعلى المجيء كحجاج إلى الأراضي المقدسة والقيام بمبادرات أخرى لدعم "الكنيسة الأم". نصلي من أجل الشجاعة والهداية التي نحتاجها من أجل كسر قيود الخوف واليأس في الأراضي المقدسة.

(يلي توقيع الأساقفة الذين شكلوا البعثة).