أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
يختتم يوم غد أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس الذي موضوعه: “جعل الصم يسمعون والخرس يتكلمون” (مر 7، 31- 37). نستطيع نحن أيضًا أن نكرر هذه الكلمات التي تعبر عن عجب الناس أمام شفاء الأصم المعقود اللسان الذي قام به يسوع، لدى رؤيتنا الازدهار الرائع في الالتزام من أجل إعادة وحدة المسيحيين. فبالنظر إلى المسيرة التي تم القيام بها في السنوات الأربعين الأخيرة، يدهشنا كيف أن الرب قد أيقظنا من سبات الاكتفاء الذاتي وعدم الاكتراث؛ وكيف انه يجعلنا أكثر قدرة “للاصغاء” المتبادل وليس فقط “للسماع”؛ وكيف أنه حل عقدة لساننا، لكيما يكون للصلاة التي نرفعها إليه، قوة إقناع أكبر بالنسبة للعالم.
نعم، إنها الحقيقة، لقد منحنا الله نعمًا وفيرة، ونور روحه القدوس قد أنار العديد من الشهود. وقد بينوا أنه من الممكن الحصول على كل شيء بالصلاة، وعندما نعرف كيف نؤدي الطاعة بثقة وتواضع لوصية المحبة الإلهية، والالتزام بلهفة المسيح إلى وحدة جميع تلاميذه.
يصرح المجمع الفاتيكاني الثاني أن “العناية بإعادة الوحدة، هي واجب الكنيسة بأسرها، مؤمنين ورعاة، وتلزم كل بحسب إمكانيته، إن بالحياة المسيحية اليومية أو من خلال الدراسات اللاهوتية والتاريخية” (Unitatis redintegratio, 5). إن الواجب المشترك الأول هو الصلاة. ففي الصلاة، وفي الصلاة سوية، يعي المسيحيون أكثر فأكثر أنهم إخوة، حتى ولو ما زالوا منفصلين؛ وأيضًا، من خلال الصلاة، نتعلم أن نصغي إلى الرب بشكل أفضل، وفقط من خلال الاصغاء إلى الرب و من خلال اتباع صوته، نستطيع أن نجد الطريق إلى الوحدة.
المسكونية، دون شك، عملية بطيئة، لا بل في بعض الأحيان تهبط العزيمة، عندما نستسلم لتجربة “السماع” بدل الإصغاء، والتكلم بفم شبه مغلق، بدل أن نعلن بشجاعة.
ليس بالأمر السهل التخلي عن “صمم مريح”، كما لو أن الإنجيل الذي لا يتغير لم يعد يملك الإمكانية للازدهار من جديد، وإثبات نفسه كخميرة ارتداد وتجدد روحي، من لدن العناية الإلهية، لنا جميعًا.
كما قلت، إن المسكونية هي عملية بطيئة، وهي درب بطيئة وفي صعود، حالها حال كل سبيل توبة. ولكنها أيضًا – بعد الصعوبات الأولية، لا بل من خلالها – دربٌ يطل على مساحات شاسعة من الفرح، ووقفات انتعاش، ويسمح من وقت لآخر بالتنفس بملء الرئتين هواء الوحدة الكاملة النقي.
إن خبرة العقود الأخيرة بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، تبرهن أن السعي إلى وحدة المسيحيين تجري على أصعدة مختلفة وفي ظروف لا تُحصى: في الرعايا، في المستشفيات، في العلاقات مع الناس، في التعاون بين الجماعات المحلية في كل أنحاء العالم، وخصوصًا في المناطق التي يتطلب فيها القيام بعمل إرادة حسنة نحو القريب جهدًا كبيرًا وحتى تطهيرًا للذاكرة.
في مناخ الرجاء هذا، الذي ترصعه خطوات عملية نحو الشراكة الكاملة بين المسيحيين، تجد مكانها أيضًا اللقاءات والأحداث التي تميز خدمتي، خدمة اسقف روما، راعي الكنيسة الجامعة.
أود أن أراجع الأحداث الأهم التي جرت في سنة 2006، والتي كانت دافعًا للفرح وللعرفان تجاه الرب.
فقد بدأ العام بالزيارة الرسمية التي قام بها الاتحاد العالمي للكنائس الإصلاحية. وقد قدمت اللجنة العالمية الكاثوليكية-الإصلاحية، كلٌ لسلطاتها الكنسية على التوالي، نصًا يكلل عملية حوار بدأت سنة 1970، أي حوار امتد طوال 36 سنة؛ يحمل النص هذا العنوان: “الكنيسة كجماعة شهادة مشتركة لملكوت الله” (La Chiesa come Comunità di Testimonianza comune al Regno di Dio).
في الخامس والعشرين من يناير 2006 – أي منذ سنة –في الختام الاحتفالي لـ “أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس”، في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار، تشارك مبعوثو الحركة المسكونية في أوروبا – بدعوة مشتركة من هيئة المجالس الأسقفية الاوروبية ومجلس الكنائس الأوروبية – في الخطوة الاولى نحو الجمعية المسكونية الأوروبية التي ستعقد في ارض أرثوذكسية، في سبيو، في سبتمبر 2007.
خلال مقابلات الأربعاء العامة، سنحت لي الفرصة لاستقبال الاتحاد المعمداني العالمي للكنيسة اللوثرية الإنجيلية (Evangelical Lutheran Church) في أمريكا، والتي تحافظ بأمانة على زيارتها الدورية إلى روما. كما وتوفرت لي الفرصة لمقابلة سلطات الكنيسة الأرثوذكسية في جورجيا، والتي أتابع أخبارها بعطف من خلال رباط الصداقة الذي كان يجمع قداسته إيليا الثاني بسلفي، خادم الله، البابا يوحنا بولس الثاني.
ومتابعة لكرونولوجيا اللقاءات المسكونية في السنة الماضية، أصل إلى “قمة رؤساء الأديان”، التي عقدت في موسكو في يوليو 2006. وقد طلب بطريرك موسكو وسائر روسيا، ألكسيوس الثاني، مشاركة الكرسي الرسولي من خلال رسالة خاصة.
كما وكانت مفيدة زيارة الأسقف كيريلس من بطريركية موسكو، الذي أعرب عن الإرادة للتوصل إلى تنظيم جليّ لعلاقاتنا الثنائية.
وكانت مرضية أيضًا زيارة كهنة وتلاميذ معهد الخدمة الرسولية التابع لسينودوس الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان. ويسرني أن اذكر أن المجلس المسكوني للكنائس قد منح دورًا واسعًا للمشاركة الكاثوليكية في الجمعية العامة في بورتو ألغري. وقد بعثت، في تلك المناسبة، برسالة خاصة. وكذلك شئت ان أبلّغ رسالة إلى اللقاء العام للاتحاد العالمي للكنائس الميثودية في سيوول. أذكر بفرح، إلى جانب ذلك، الزيارة الودية التي قام بها الأمناء العامون لـ “Christian World Communion”، وهي منظم
ة اعلام ولقاء متبادل بين مختلف الطوائف.
وأتابع استعراض الجدول التاريخي لعام 2006، لأصل إلى زيارة رئيس أساقفة كانتبري، ورئيس الشراكة الأنجيلية في نوفمبر المنصرم. فقد تقاسمت معه ومع مرافقيه وقفة صلاة هامة، في كابيلا “والدة المخلص” (Redemptoris Mater) في القصر الرسولي.
أما في ما يختص بالزيارة الرسولية التي لا تنتسى إلى تركيا، واللقاء بقداسة البطريرك برثلماوس الأول، أود أن أذكر المبادرات الأكثر بلاغة من الكلمات. وأغتنم الفرصة لكي أحيي مرة أخرى قداسة البطريرك برثلماوس الاول وأشكره على الرسالة التي كتبها لي لدى عودتي إلى روما؛ أؤكد له صلاتي والتزامي للعمل كي يتم التوصل إلى نتائج عناق السلام الذي تبادلناه خلال الليتورجية الإلهية في كنيسة القديس جوارجيوس في الفنار.
وقد اختتم العام بالزيارة الرسمية إلى روما التي قام بها غبطة رئيس أساقفة أثينا وسائر اليونان كريستودولوس، والذي تبادلت معه عطايا متطلبة: أيقونة “الكلية القداسة” (Panaghia)، وأيقونة تمثل الرسولين بطرس وبولس وهما متعانقين.
أليست هذه لحظات ذات قيمة روحية عالية، لحظات فرح، وتنفس الصعداء في ارتقاء الوحدة البطيء الذي تكلمت عنه سابقًا؟
تسلط هذه اللحظات الضوء على الالتزام – الذي غالبًا ما يكون صامتًا ولكنه قوي – الذي يجمعنا في طريق البحث عن الوحدة. تشجعنا هذه اللحظات على القيام بأي جهد من أجل الاستمرار في هذا الصعود المهم رغم بطئه.
نوكل أنفسنا إلى شفاعة والدة الإله والقديسين المحامين الدائمة، لكي يدعمونا ويساعدونا فلا نتراجع عن مقاصدنا الصالحة؛ ولكي يشجعونا على مضاعفة الجهود، مصلين وعاملين بثقة، أكيدين أن الروح القدس سيقوم بالباقي؛ انه سيهبنا الوحدة الكاملة كما يريد وعندما يريد.
ملتحفين بهذا الرجاء، فلنسر قدمًا على طريق الإيمان والرجاء والمحبة. فليقدنا الرب.