روما، 26 يناير 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي قراءات الأحد الرابع من الزمن العادي بحسب الطقس اللاتيني مع مقتطفات من تعليق الأب رانييرو كانتالامسا.
القراءة الاولى: إرميا 1، 4-5 . 17-19
فكانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قائلاً: 5 قَبلَ أَن أُصَوِّرَكَ في البَطنِ عَرَفتُكَ وقَبلَ أن تَخرُجَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّستُكَ وجَعلتُكَ نَبيّاً لِلأُمَم. وأَنتَ فآشدُدْ حَقْوَيكَ وقُمْ وكَلِّمْهم بِكُلِّ ما آمُرُكَ بِه. لا تَفزَعْ مِن وجوهِهم وإِلَّا أَفزَعتُكَ أَمامَهم. 18 فإِنِّي هاءَنَذا قد جَعَلتكَ اليَومَ مَدينَةً حَصينةً وعَموداً مِن حَديد وأَسْواراً مِن نُحاس على كُلِّ الأَرض على مُلوكِ يَهوذا ورُؤَسائِه وكهَنَتِه وشَعبِ الأَرض 19 فيُحارِبونَكَ ولا يَقوَونَ علَيكَ لِأَنِّي مَعَكَ، يَقولُ الرَّبّ، لِأُنقِذَكَ.
القراءة الثانية: 1 كور 12، 31 – 13،13
اِطمَحوا إِلى المَواهِبِ العُظْمى، وها إِنِّي أَدُلُّكُم على طريقٍ أَفضَلَ منِها كثيرًا. لو تَكَلَّمتُ بلُغاتِ النَّاسِ والمَلائِكة، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا إِلاَّ نُحاسٌ يَطِنُّ أَو صَنْجٌ يَرِنّ.2 ولَو كانَت لي مَوهِبةُ النُّبُوءَة وكُنتُ عالِمًا بِجَميعِ الأَسرارِ وبالمَعرِفَةِ كُلِّها، ولَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلَ الجِبال، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا بِشَيء.3 ولَو فَرَّقتُ جَميعَ أَموالي لإِِطعامِ المَساكين، ولَو أَسلَمتُ جَسَدي لِيُحرَق, ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما يُجْديني ذلكَ نَفْعًا. 4 المَحبَّةُ تَصبِر، المَحبَّةُ تَخدُم، ولا تَحسُدُ ولا تَتَباهى ولا تَنتَفِخُ مِنَ الكِبْرِياء،5ولا تَفعَلُ ما لَيسَ بِشَريف ولا تَسْعى إِلى مَنفَعَتِها، ولا تَحنَقُ ولا تُبالي بِالسُّوء،6 ولا تَفرَحُ بِالظُّلْم، بل تَفرَحُ بِالحَقّ.7 وهي تَعذِرُ كُلَّ شيَء وتُصَدِّقُ كُلَّ شَيء وتَرْجو كُلَّ شيَء وتَتَحمَّلُ كُلَّ شيَء. 8 المَحبَّةُ لا تَسقُطُ أَبَدًا، وأَمَّا النُّبُوَّاتُ فسَتَبطُل والأَلسِنةُ يَنتَهي أَمرُها والمَعرِفةُ تَبطُل،9 لأَنَّ مَعرِفَتَنا ناقِصة ونُبُوَّاتِنا ناقِصة. 10فمَتى جاءَ الكامِل زالَ النَّاقِص. 11 لَمَّا كُنتُ طِفْلاً، كُنتُ أَتَكلَّمُ كالطِّفْل وأُدرِكُ كالطِّفْل وأُفكِّرُ كالطِّفْل. ولَمَّا صِرتُ رَجُلاً، أَبطَلتُ ما هو لِلطِّفْل. 12فنَحنُ اليومَ نَرى في مِرآةٍ رُؤَيةً مُلتَبِسة، وأَمَّا في ذلك اليَوم فتَكونُ رُؤيتُنا وَجْهًا لِوَجْه. اليَومَ أَعرِفُ مَعرِفةً ناقِصة، وأَمَّا في ذلك اليَوم فسَأَعرِفُ مِثْلَما أَنا مَعْروف. 13 فالآن تَبقى هذه الأُمورُ الثَّلاثة: الإِيمانُ والرَّجاءُ والمَحَبَّة، ولَكنَّ أَعظَمَها المَحبَّة
الانجيل : لو 4، 21-30
فَأَخَذَ يَقولُ لَهم: ((اليوم تَمَّت هذه الآيةُ بِمَسمَعٍ مِنكُم)). 22وكانوا يَشَهدونَ لَه بِأَجمَعِهِم، ويَعجَبونَ مِن كَلامِ النِّعمَةِ الَّذي يَخرُجُ مِن فَمِه فيَقولون: ((أَما هذا ابنُ يوسُف ؟)) 23فقالَ لَهم: ((لا شكَّ أَنَّكم تَقولونَ لي هذا المَثَل: يا طَبيبُ اشفِ نَفسَكَ. فاصنَعْ ههُنا في وَطَنِكَ كُلَّ شَيءٍ سَمِعْنا أَنَّه جَرى في كَفَرناحوم)). 24وأَضاف: ((الحَقَّ أَقولُ لكم: ما مِن نَبِيٍّ يُقبَلُ في وَطنِه. 25((وبِحقٍّ أَقولُ لَكم: ((كانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ الأَرامِلِ في أَيَّامِ إِيلِيَّا، حينَ احتَبَسَتِ السَّماءُ ثَلاثَ سَنَواتٍ وسِتَّةَ أَشهُر، فأَصَابَتِ الأَرضَ كُلَّها مَجاعَةٌ شديدة، 26ولَم يُرسَلْ إِيليَّا إِلى واحِدَةٍ مِنهُنَّ، وإِنَّما أُرسِل إِلى أَرمَلَةٍ في صَرْفَتِ صَيدا. 27وكانَ في إِسرائيلَ كَثيرٌ مِنَ البُرْصِ على عَهدِ النَّبِيِّ أَليشاع، فلَم يَبْرأْ واحِدٌ مِنهُم، وإِنَّما بَرِئ نُعمانُ السُّوريّ)). 28فثارَ ثائِرُ جَميعِ الَّذينَ في الـمَجمَع عِندَ سَماعِهِم هذا الكَلام. 29فَقاموا ودَفَعوه إِلى خارِجِ الـمَدينة وساقوه إلى حَرْفِ الـجَبَلِ الَّذي كانَت مَدينتُهم مَبنِيَّةً علَيه لِيُلقوُه عَنه، 30ولَكِنَّه مَرَّ مِن بَينِهم ومَضى.
نتأمل اليوم بمضمون القراءة الثانية، حيث نجد رسالة غاية في الاهمية. إنه النشيد الشهير للقديس بولس عن المحبة. وهو أجمل وأسمى ما كُتب عن الحب والمحبة.
عندما جاءت المسيحية الى العالم، كان كثيرون قد تكلموا عن الحب. أشهرهم أفلاطون، الذي كتب عنه فصلاً كاملاً. كان اسم الحب آنذاك “إيروس”. وقد شعرت المسيحية بأن هذا الحب وهذا الشغف لم يكن كافياً للتعبير عن التجديد الذي أوجده التعبير البيبلي. ولهذا حاولت المسيحية أن تتفادى عبارة “إيروس” واستبدلتها بكلمة “أغابي”، كتعبير عن المحبة.
هنا يكمن الاختلاف بين الحبّين. حبّ الرغبة، أو المثير للشهوة هو حب خاص؛ وهو حب يجد مكانه بين شخصين، ودخول شخص ثالث يعني النهاية، الخيانة. وفي بعض الاحيان قد يستطيع قدوم طفل أن يضع هذا الحب في أزمة. أما حب العطاء، أو “أغابي”، فعلى العكس، إنه يشمل الجميع، ولا يستثني أحداً، ولا حتى العدو. الحب الأول يتجسد على شفاه فيوليتا في الترافياتا لفردي: “أحبني ألفريدو، أحبني كما أحبك”. أما المحبة فتتجسد في كلمات يسوع: “أحبوا بعضكم بعضاً كما انا احببتكم”. على هذا الحب ان ينتشر وينمو. أما الاختلاف الآخر فهو أن: الحب الجنسي هو حب مرتبط بالغرام، وبطبيعته لا يدوم طويلاً، أو يدوم فقط مع تغيّر مبتغاه، أي الوقوع ف
ي الغرام بأشخاص آخرين.. أما المحبة، فيقول القجيس بولس فهي “باقية”، أنها الوحيدة التي تدوم الى الأبد، أكثر من الايمان والرجاء.
ولكن بين الحبّين – حب البحث وحب العطاء – لا يوجد خط فاصل واضح ولا تناقض، بل تطولر ونمو. الاول – إيروس – هو بالنسبة لنا نقطة الانطلاق، أما الثاني – اغابي – فهو نقطة الوصول. بين الاثنين فسحة للتنشئة على الحب والنمو فيه. ابسط مثل على ذلك هو حب الزوجين. في الحب بين الزوجين، يأتي الــ إيروس في المرتبة الأولى، الإنجذاب والرغبة المتبادلة، كسب الآخر وبالتالي هناك نوع من الانانية. إذا لم يسعى هذا الحب لأن يغني ذاته شيئاً فشيئاً، حيث تسود المجانية، والرقة المتبادلة والقدرة على نسيان الذات من أجل الآخر، ورؤية الذات في الاطفال، جميعنا يعلم ما هي النتيجة.
إن رسالة بولس آنية جداً. عالم الافلام والدعايات منشغل اليوم بمحاولة إقناع الشباب بأن الحب ينحصر في الإيروس، والإيروس في الجنس. وبأن الحياة هي هدوء مستمر، في عالم حيث كل شيء جميل، شاب وسليم؛ حيث لا وجود للشيخوخة والأمراض، والجميع يستطيع أن يصرف ما يشاء. هذا وهمٌ يولّد انتظارات خائبة، تؤدي الى الانزعاج والثورة ضد العائلة والمجتمع، وغالباً ما تفتح البابا على مصراعيه أمام الجرائم. فلتساعدنا كلمة الله لنعمل على أن لا ينطفىء الحسد النقدي للناس أمام ما نواجهه في حياتنا اليومية.