رسالة إلى الملوك ورؤساء الدول العربية بعد سينودس روما

Share this Entry

 “ما فكّرنا به وناقشناه، سنعيشه معكم في أوطاننا”

الخميس 4 نوفبمر 2010 (ZENIT.org). ننشر في ما يلي الرسالة التي أعدها البطريرك غريغوريوس الثالث لحام لملوك ورؤساء الدول العربية، يطلعهم فيها على ما جاء في سينودس أساقفة الشرق الأوسط الذي عقد في الفاتيكان من 10 ولغاية 24 من أكتوبر الماضي. قرا لحام الرسالة يوم الثلاثاء في المركز الماثوليكي للغعلام في لبنان:

نص الرسالة:

سلام وتحية مع المحبَّة والدعاء،

لقد سبق أن توجَّهنا إليكم برسالة بتاريخ 18 حزيران 2010، حول المجمع الخاصّ بالشرق الأوسط بعنوان “الكنائس الكاثوليكية: شركة وشهادة”.

في ختام هذا المجمع يسرُّنا أن نتوجَّه إليكم بهذه الرِّسالة حاملة إليكم هذه الخواطر:

1-         لقد كانت اللُّغة العربيَّة مع غيرها، لغة رسمية في السِّينودس. وقُدِّمَت توصية باستخدامها في الدَّوائر الرُّومانيَّة في دولة الفاتيكان. وهذا إنجاز كبير، وهديَّة للعالم العربي من بطاركة وأساقفة الشرق العربي للعالم العربي! ذلك أنَّهم يعتبرون بحقّ أنَّ اللُّغة العربيَّة هي لغة حضارتنا وإيماننا ومجتمعنا. والقاسم المشترك الكبير في بلادنا العربية.

2-      بالطَّبع كان الشرق العربي، بالإضافة إلى تركيا وإيران، موضوع الاهتمام الأكبر للمجمع (السِّينودس).

3-   وبالتحديد كانت مفاهيم ومضامين العيش المشترك والعيش معًا والتعايش والمواطنة والعلمانيَّة المؤمنة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، والحرِّيَّة الدِّينيَّة، حرِّيَّة العبادة والمعتقد، وبناء الكنائس وبخاصَّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة واحترام معتقدات الآخر، والتعدُّديَّة والتنوُّع ونبذ التعصُّب والعنف والأصوليَّة السلبيَّة، والتطرُّف والإرهاب والاضطهاد واستغلال الآخر، بخاصَّة الضعيف، والمغلوب على أمره، هذه كلّها كانت حاضرة في مناقشات السِّينودس. وموضوع المئات من المقابلات مع وسائل الإعلام المرئيَّة والمسموعة والمكتوبة.

4-         وبالأخصّ كان حاضرًا لكل مداولات أعضاء السِّينودس الحوار الإسلامي – المسيحي في كل أبعاده وأشكاله وأهميَّته، لا بل ضرورته الملحَّة، وتنشيطه وتطويره، ودعمه من قبل الجميع مسيحيِّين ومسلمين.

5-         وناقش الآباء التَّحديات التي تواجه الحضور المسيحي ومنها الهجرة، وعدم الاستقرار والأزمات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة والحروب المتتالية في المنطقة… وقد تفاقمت بخاصَّة بسبب الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو أساس الكثير من ويلات مجتمعنا وآفاته. فقد تسبَّب في زرع البغض والكراهية بين المواطنين محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، مسيحيًّا وإسلاميًّا، وفي الأصوليَّة والإرهاب والعنف… وظهرت الصورة في العالم وكأنَّ الإنسان العربي، والمسلم وحتى المسيحي، يولَدُ إنسانًا إرهابيًّا وأصوليًّا! وكأنَّ الدِّين أصبح سبب العنف والإرهاب والأصوليَّة! والدِّين براء من كل ذلك! وهكذا أصبح مجتمعنا معنَّفًا! وطالت هذه الآفات بخاصّة شبابنا وأجيالنا الطَّالعة!

6-         بحث أعضاء السينودس عن الأدوية لهذه الآفات. ووجدوا الدَّواء الناجع بخاصَّة في الحوار المسيحي الإسلامي، الذي يجب أن يكون خبزنا اليومي في المشرق العربي. لا بل هذه كانت خبرتنا في العيش المشترك في تاريخنا المشترك على مدى ألف وأربعمئة سنة، بالرَّغم من مراحل قاتمة أو مشاكل طارئة، أو ضغوطات، أو حتى مجازر راح ضحيَّتها الألوف، وتسبَّبت في فقدان الثِّقة بالعيش المشترك، وبالآخر، وبقيمه. واستشرى العداء، وتقلَّصت أواصر الرَّحمة والمودَّة والتَّضامن في مجتمعاتنا.

7-         وشدَّد أعضاء السينودس على تخطّي هذه الأزمات والحواجز والصُّعوبات. وضرورة متابعة السَّير معًا. لا بل اعتبروا أنَّ نجاح تجربتنا الفريدة والصَّعبة في العيش المشترك هو ضمانة نجاح الحوار بين مؤمني الأديان والمعتقدات المختلفة. لا بل تبيَّن للجميع واضحًا، وإلى ذلك أشارت الصَّحافة كلّها بتكرارٍ وإصرار، بأنَّ سقوط وعدم نجاح تجربتنا التعايشيَّة، مسلمين ومسيحيِّين، في الشرق الأوسط، سيكون هدّامًا لكلِّ إمكانيَّات الحوار، وسيؤذن بالخطر المتطاير، بأنَّ كلَّ حوارٍ بين البشر، وبين الحضارات والأديان، شرقًا وغربًا، سيكون فاشلاً.

8-                 وإذ ذاك ستكون المعادلة الناتجة من هذا الواقع كالتالي: إذا أُفرِغَ الشرق من مسيحيِّيه وهو مؤشّرُ ونموذجُ التَّعدُّديَّة والحوار فيه، فأصبح الشرق العربي مسلمًا بدون مسيحيِّين، واعتُبر الغرب مسيحيًّا (ولو غير مؤمن وفقط بالمعموديَّة)، وهذا الغرب يدعم إسرائيل المعتَبرَة عدوًا للإسلام والمسلمين، تحتَّم أن تكون المعادلة كالتالي: الغرب المسيحي يدعم الوجود الإسرائيلي واليهودي، والذي يُعتبَر عدوَّ الإسلام. وبالتالي العالم المسيحي الأوروبي هو عدوّ الإسلام والمسلمين. وهذا هو الشرُّ المتطاير! وهذا هو المستقبل المظلم المرعب! لا سمح الله بحدوثه!

9-         وكان السَّلام من المحاور الأساسيَّة لمداولات واقتراحات وتوصيات هذا السينودس. فالسَّلام هو الخير الأكبر وهو المفقود الأكبر! وهو التحدّي الأكبر! وهو المطلوب الأكبر من قبل جميع الفرقاء! وهو مسؤوليَّة ملقاة على كاهلنا جميعًا: الشرق والغرب! العرب والأوروبيُّون والأميركيُّون! وشدَّد الآباء على دور الفاتيكان وقداسة البابا بالذَّات بسبب نف
وذه العالمي. كما شدَّد البطاركة والمطارنة الشرقيُّون على أهميَّة دورهم في العمل لأجل السَّلام. كما أنَّ السَّلام هو مسؤوليَّة عربيَّة كبرى، لا بل هي المسؤوليَّة الأكبر! فالدُّول العربيَّة متَّحدة متضامنة متوافقة، مصرّة مصمِّمة بعناد وشهامة، يمكنها أن تفرض على الإسرائيليِّين وحتَّى على أميركا والدُّول الأوروبيَّة، يمكنها أن نفرض سلامًا عادلاً وشاملاً دائمًا. وتُزيل الاحتلال الإسرائيلي، وتُعيد إلى الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة وحرِّيَّته وكرامته في دولته.

فالسَّلام الشجاع هو الجهاد الأكبر والتحدي الكفيل بأن يُجيب على التحديات والتساؤلات والمخاوف والهواجس التي تلفُّ منطقتنا كلَّها. وهذا السَّلام الشجاع هو وديعة في قلوبكم وأفكاركم وقراراتكم.

واليوم نعود نحن الرُّعاة إلى أوطاننا وهي مهد المسيحيَّة ومهد الإسلام واليهوديَّة. ما فكّرنا به وناقشناه، سنعيشه معكم في أوطاننا. والتَّحديات التي درسناها تعرفونها وسنواجهها معكم وأنتم معنا، وأنتم ونحن معًا. سنتواصل معكم وسنتحدَّى التَّحديات معًا لأجل مستقبلٍ أفضل لأجيالنا، أنتم ونحن، مسيحيِّين ومسلمين، لكي يحقِّق الرَّبُّ آمالنا وأدعيتنا وتطلُّعاتنا. وكما كتبتم لقداسة البابا تلك الوثيقة بعنوان “كلمة سواء“، نحن الآن سنضع هذه الورقة عمليًّا لكي نقول معًا “كلمة سواء” لأجل السَّلام لكي يعيش مواطنونا كلُّهم بالمودَّة والرَّحمة والتراحم.

نطلب من الله تعالى لأجل أوطاننا العربيَّة، ونبقى معًا فيها مسيحيِّين ومسلمين، ملحًا ونورًا وخميرةَ خيرٍ وإيمانٍ ورجاءٍ ومحبَّة.”

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير