روما، الخميس 29 مارس 2012 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي القسم الثاني من رسالة بندكتس السادس عشر بمناسبة يوم الشبيبة العالمي الذي سيحتفل به نهار أحد الشعانين الواقع فيه 1 نيسان، وموضوعها هذه الآية من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل فيليبي ” إفرحوا دائما في الرب”.
* * *
3. إحفظوا الفرح المسيحي في قلوبكم
نحن نتساءل اليوم: كيف نستطيع أن نتلقى ونحافظ على هذه الهبة ألا وهي الفرح العميق والفرح الروحي؟ يقول المزمور: “تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك” (مزمور 36 ،4) ويشرح المسيح قائلا: “ويشبه ملكوت السماوات كنزًا مدفونًا في حقل، وجده رجل فخبأه، ومن فرحه مضى فباع كل ما يملك واشترى ذلك الحقل” (متى 13، 44). إن إيجاد الفرح الروحي والمحافظة عليه ينبع من اللقاء مع الرب الذي يطلب منا أن نتبعه متخذين خيارًا حاسمًا بتكريس حياتنا له.
أيها الشباب، لا تخافوا بأن تكرسوا حياتكم للمسيح ولإنجيله: هذا هو السبيل لتحقيق السلام والسعادة الحقيقية في عمق قلبنا، وبهذا نحقق وجودنا كأبناء لله الذي خلقنا على صورته ومثاله. إفرحوا دائما في الرب: الفرح هو ثمرة الإيمان، هو أن نلمس كل يوم حضوره ومحبته: ” مجيء الرب قريب” ( فيليبي 4 ، 5 ). ضعوا ثقتكم دائما به، هكذا تنمون في معرفته وحبه. ” سنة الإيمان” التي نحن قادمون عليها، ستساعدنا وتشجعنا.
أيها الأصدقاء، تعلموا أن تلمسوا عمل الله في حياتكم، اكتشفوا وجوده في عمق أعمالكم اليومية. آمنوا بأنه وفيّ دائما للعهد الذي ختمكم به يوم عمادكم واعلموا بأنه لن يتخلى عنكم أبدًا. إرفعوا عيونكم إليه، هو الذي أحبكم بذل نفسه لأجلكم على الصليب. إن التأمل بحب عظيم كهذا، يزرع في قلوبنا رجاءً وفرحًا لا يغلبهما شيء. لا يمكن أن يحزن المسيحي عندما يلتقي بيسوع الذي بذل نفسه لأجله.
إبحثوا عن الرب، فإن قبلناه في حياتنا يعني حتما بأننا استقينا كلمته التي هي فرح قلبنا. يقول النبي إرميا: ” وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي” ( إرميا 15، 16). تعلموا قراءة الكتاب المقدس والتأمل به، هناك تجدون الجواب لأسئلتكم العميقة عن الحقيقة التي تشغل قلبكم وعقلكم، فكلمة الله تجعلنا نكتشف العجائب التي أنجزها الله في تاريخ البشر وتدفعنا لتسبيحه وعبادته ونحن ممتلئين فرحًا: “هلموا نرنم للرب…هلموا نسجد ونركع أمام الرب صانعنا” (مزمور 94 1، 6). القداس هو بامتياز المكان الذي يتم فيه التعبير عن هذا الفرح الذي تغرفه الكنيسة من الرب وتنقله للعالم. هكذا تحتفل الطوائف المسيحية كل أحد خلال الإفخارستيا بسر الخلاص ألا وهو موت وقيامة المسيح. هذه هي اللحظة الأساسية التي تبدأ بها رحلة كل تلميذ للرب، فبها تتجلى تضحيته من كثرة حبه لنا. هذا هو اليوم الذي نجتمع فيه مع المسيح القائم من الموت حيث نسمع كلامه ونتناول جسده ودمه ويقول المزمور: “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ولنتهلل فيه” ( مز24،117) وعشية أحد القيامة تتهلل الكنيسة بانتصار يسوع المسيح على الخطيئة والموت: “إفرحي يا أجواق الملائكة.. وابتهجي أيتها الأرض التي لطالما عانت من الحروب..وليصدع في هذه المسكونة صدى تهليل الشعوب “. الفرح المسيحي هو أن يحبنا الله الذي تجسد لأجلنا وبذل نفسه عنا فيجب أن نعيش حبًا به فنذكر ما كتبت القديسة تيريزيا الطفل يسوع: ” يسوع فرحي أن أحبك.”
4. فرح المحبة
أصدقائي الأعزاء، الفرح مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمحبة: “أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح..” (راجع غل 5، 23). الفرح هو نتيجة الحب وشكل من أشكاله. أشارت الأم تيريزا إلى كلمات المسيح: “تبارك العطاء أكثر من الأخذ” ( أعمال الرسل 20، 35) بقولها: “الفرح هو سلسلة من الحب، لكسب النفوس. الله يحب من يعطي بفرح. والذي يعطي بفرح يعطي أكثر فأكثر.” وكتب خادم الله بولس السادس: “بالله نفسه، كل شيء هو فرح لأن كل شيء هو عطاء” ( الإرشاد الرسولي “افرحوا بالرب”، 9 مايو 1975).
بعد أن أدركتُ مختلف أنماط حياتكم، أريد أن أقول لكم أن الحب يتطلب الثبات والإخلاص في الإلتزامات التي تقطعونها. هذا ينطبق في بادىء الأمر على الصداقات، فأصدقاؤنا يتوقعون منا أن نكون مخلصين ووفيين لأن الحب الحقيقي يثابر بخاصة في الضيقات. كذلك ينطبق الأمر على العمل، والدراسات، والخدمات التي تقدمونها. الإخلاص والمثابرة في عمل الخير يقودان للفرح حتى ولو لم يظهر ذلك على الفور. لاختبار فرح الحب، نحن مدعوون أيضا إلى أن نكون كرماء، وليس أن نعطي القليل بل أن نشارك مشاركة كاملة في الحياة مع إيلاء اهتمام خاص للفقراء. يحتاج العالم إلى نساء ورجال مثابرين ومخلصين يهبون أنفسهم لخدمة الخير العام. أقول لكم التزموا وادرسوا بجدّ، نموا مواهبكم وضعوها من اليوم في خدمة القريب، حيثما كنتم، إبحثوا عن كيفية المساهمة لجعل المجتمع أكثر عدلا وإنسانية. فلتقود روح الخدمة حياتكم ولا تبحثوا عن السلطة، ولا عن النجاح المادي ولا عن المال.
أما بالنسبة إلى الكرم فلا يمكنني إلا أن أذكر هذا الفرح المميز ألا وهو فرح تسليم الذات بكليّتها للرب. أيها الشباب لا تخافوا من دعوة المسيح لكم إلى الحياة المكرسة، أوالرهبانية، أوالتبشيرية أوالكهنوتية. كونوا على يقين بأنه يغمر بالفرح الذين يكرسون حياتهم له ويلبون دعوته بترك كل شيء والبقاء معه ووضع أنفسهم بخدمة الآخرين. كذلك، عظيم هو الفرح الذي يحيط به الرجل والمرأة اللذين يتحدان بالزواج لتأسيس عائلة فيشكلان علامة حب المسيح لكنيسته.
إسمحوا لي بأن أشير إلى عنصر ثالث للحصول على فرح الحب: إجعلوا الشركة الأخوية تنمو في حيات
كم ومجتمعكم. هناك رابط قوي بين الشركة والفرح: فليس من باب الصدفة أن تكون عظة مار بولس قد صيغت بصفة الجمع: ” إفرحوا دائما في الرب!” (فيليبي 4،4). معًا فقط يمكننا أن نختبر هذا الفرح بعيشنا الشركة الأخوية. يشرح كتاب أعمال الرسل عن أول مجتمع مسيحي: ” يكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بفرح وبساطة قلب” (أعمال الرسل 2 ، 46). أنتم أيضا إسعوا لأن تكون المجتمعات المسيحية أماكن مميزة للمشاركة، والاهتمام ولخدمة بعضكم البعض.
5. فرح التوبة
أيها الأصدقاء، لعيش الفرح الحقيقي، عليكم أن تدركوا ما هي الإغراءات التي تكبّلكم. غالبًا ما تدفعكم الثقافة الحالية إلى تحقيق أهداف وملذات عابرة وبذلك هي تُغلّب عدم الإستقرار على المثابرة في الجهد والإخلاص للإلتزامات. إن الرسائل التي تتلقونها تحثكم على الإستهلاك وتقطع عليكم وعود سعادة كاذبة، ولكن التجربة تدل على أن التملك لا يتماشى والفرح: كثيرون هم الأشخاص الذين لا يفتقرون للماديات ولكن يتملكهم اليأس والحزن ويشعرون بالفراغ في حياتهم. لتبقى فينا المحبة، نحن مدعوون لكي نعيش الحب والحقيقة في الله.
يريدنا الله أن نكون سعداء، لهذا السبب زوّدنا بتوجيهات لكي لا نضل طريقنا ألا وهي: الوصايا، فإذا عملنا بها أرشدتنا إلى طريق الحياة والسعادة. للوهلة الأولى يمكننا أن نشعر بأنها مجموعة من المحظورات تكبّل حريتنا، ولكن إن تأملنا بها قليلًا على ضوء رسالة المسيح، فسنجد بأنها مجموعة من القواعد الأساسية والقيّمة للحياة تجعلنا نعيش وفق مخطط الله لنا، ولكن على العكس إن قمنا ببناء أي شيء متجاهلين الله وإرادته سنسبب لأنفسنا خيبة أمل كبيرة وتعاسة كما سنختبر معنى الفشل. أما تجربة الخطيئة نتيجة لرفضنا اتباع يسوع ورفضنا محبته، فستجعل الظلمة تخيم على قلوبنا.
إذا كان طريق المسيحية وعرًا وواجه الإلتزام بالإخلاص لمحبة الرب صعوبات أو انتكاسات، كونوا على ثقة أن الله الرحوم لن يتخلى عنكم، فهو يعطينا دائما الفرصة للعودة اليه واختبار فرح حبه الذي يسامح الجميع ويستقبلهم من جديد.
أيها الشباب، إلجئوا دوما إلى سر التوبة والمصالحة فهذا هو سر الفرح. تقدموا إليه دائما بصفاء، وثبات، وثقة واطلبوا من الروح القدس أن ينوّركم لتعترفوا بخطاياكم وتلتمسون المغفرة من الله. سيحتضنكم الله دائما، وسيطهّركم ويجعلكم تدخلون فرحه: ” هكذا يكون الفرح في السماء بخاطىء واحد يتوب” (لوقا 7،15).