من روحانية الصوم في التقليد السرياني (2)

الطعام لغة الجسد

Share this Entry

بقلم الأب الياس شخطورة الأنطوني

الفاتيكان، الخميس 29 مارس 2012 (ZENIT.org). – أول ما يرد الى ذهننا عندما نأتي على ذكر الصوم والطعام، هو المعنى المضاد لهاتين الحالتين، إذ أنَّ الصوم في مفهومه العام، هو الانقطاع عن الطعام. فماذا هو عملياً دور الطعام، بالإنقطاع عنه والمشاركة به؟

لا يمكننا غض النظر عن حسنات الطعام، عن فوائده وعن مساهمته الفعَّالة في بناء وتطوير هيكل الإنسان. بالإضافة الى كونه عنصرا اساسيا لا غنى عنه في الغذاء والنمو الجسدي، فهو أيضا رمز في بناء العلاقات ما بين الأفراد للتعبير عن نية جمعهم وتوحيدهم، إذ يُشكّل المكان الذي فيه يُعبِّر الإنسان عن رغبته في لقاء الآخر والتواصل معه. والصوم في مفهومه العام -الإمتناع عن الطعام- يهدف الى التصدي لِلذَّة التي يؤمّنها الطعام ذاته، بهدف الترفُّع الى ما هو أسمى من المادة، بالروح والجسد، فيصبح الصوم حينها عاملَ إضعافِ اللذةِ الترابية، مُقوّياً للمعرفةِ الروحية والعقلية معاً كي تصبح شاملة، قوةً لإماتة الأنانية، وعنصرَ تحجيم للرغبة الذاتية. كل ذلك بهدف نمو الرؤية الداخلية، المسمّاة بالروحية.

بالنسبة لمار أفرام، الإنسان هو إتحاد الروح بالجسد، مبدأ واحد، هيكليةٌ أساس للطبيعة البشرية، لا يمكن الفصل بينهما. فالروح هي عروس الجسد، والجسد هو الخِدر الزوجي للروح، إنّهما أداة واحدة تجعل الإنسان مترابطاً مع الآخر وبعلاقة معه. أما الفرق فيظهر في دور كل واحد منهما. يقول أفرام: “يؤدي الجسد لك الشكر، يا سيد، لأنك خلقته مسكنا لك؛ والروح تعبدك، لأنك خطبتها عند مجيئك“. وفي كلامه عن الإفخارستيا يقول: “إن الخبز الروحي يُحلِّق ويطير، كذلك الشعوبُ يطيرون مرتفعين إلى الفردوس، حيثما يوجد جسد آدم الثاني“؛ هذه دلالة واضحة على أن كل من يأكل جسد الرب، يلتقي به حيثما وجد. إذن، إن الجسد هو الإنسان بكامله، والجسد والروح هما في إتحاد كامل ووثيق. فالجسد يَضعَفُ ويذبُلُ عندما يحاول أن يجعل من ذاته محوراً وركيزة لوجوده وجوهره، ليكون مصدرَ كلِّ شيء؛ بيد أن هذا ليس إلاّ دليلاً على فشله وضعفه.

الجسد هو “حلة المجد” وهذه العبارة بحد ذاتها تشكّل عامودَ أساسٍ في تعليم أفرام، إذ يأتي على ذكرها مرارا في أناشيده، خاصة في أناشيد الميلاد، كالنشيد 23 إذ يقول: “قام بكل ذلك الحنّان: تعرّى من المجد ولبس الجسد – حلة المجد – لأنه كوّن وسيلة ليرجع آدمُ إلى حالته الأولى التي أضاعها وتعرّى منها“.

حلّةُ المجد، أهي حلةٌ خارجيةٌ يكسو بها آدم عاره أم هي مجرّد رمزية؟ إن سقوط آدم ورفضه للملكوت، دفع بالإبن بالتخلي عن ملكوته، ليلبس الجسد، حلّة مجده. بحسب أفرام، لا يمكننا إهمال الجسد، لأن الله بذاته حلّ فيه، إنه المسكن الذي يحل الإنسان فيه ويميزه عن سائر المخلوقات. إنه مكان لقائي بالآخر، إنه تعبير عن حضوري للآخر والآخر لي، حقيقةُ تواصل، مرآةُ الآخر فيّ، صورة الله في الإنسان.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير