الله كائنٌ بريءٌ منا، وبراءته براءةً مطلقة محض. وحتى لو رأينا وسمعنا أناسا يكفرون، ويشتمون وينطقون بالكلمات البذيئة الدنيئة التي لا تليق بإسمه، فإن الله لا يتأثر، ولا تُلطّخ كرامته بسموم لسان البشر، لانه نقيٌّ، وشفاف، لا بل، العكسُ هو الذي يحصل، نحن من سنتأثر ونصاب بالنفور حتى ليس فقط، من الآخرين، لا بل من حياتنا كلّها، نضجر وننفر ونهرب الى فعل أمور بعيدة عن واقعنا، ونقوم باستقبال الله في صحن قلبنا الوسخ غير النظيف، وليس هذا فقط، لا بل وأكثر من هذا، نحن سوف نتصوّر ان الله هذا، سيكون عدوّا صعب المراس، المارد الجبار الحشري الذي يتدخل في كلّ شاردة وواردة، وأنه يراقبنا من فوق ماذا نفعل، وماذا نقول..!.
هنا نحنُ، سوف نرى الله، كما قلنا سابقا، جزءًا منه فقط، الشيء المشوّه اللاحقيقي ، كالمرايا المكسّرة المهشّمة. نحنُ نأخذ قطعة واحدة وجزءا واحدا من مجمل هذه الصورة الكاملة الشاملة، ونرى صورة مغلوطةً، وبالاكثر، نحن لا نرى صورة الله الذي هو بالحقيقة – وهذا طبعا بديهيٌ جدا لاننا لا نعي الله حقيقةً – لكن نرى صورتنا المشوهة تنعكسُ على الله الذي نريد ان نعرفه.
نحنُ كالنحات الذي ينحت تمثالا بمطرقته، لكي يحفر هذا الشيء ويزيل عنه كل الأمور الزائدة، أو قد يعطي اضافاتٍ فيه، لكن الله، هل هو تمثالٌ حجريّ، نزيل منه الزوائد والاحجار لكي نظهر حقيقته…؟؟!. من المؤكد، ان النحات لديه تصورٌ سابق لوجه العمل الذي يريد القيام به، فيقوم برفع الزوائد، لكن حتى وإن ظهر شيء رائع، يبقى هو أصمٌّ وجماد غير حقيقي أبدا، بل فقط تنفيسٌ عن الأنا، صورة كانت في مخيّلته طبّقها على الواقع وصنع هذا التمثال..!
لا يمكن رفع الزائد والاضافة في الله، لانه لا يوجد لديه زائد ابدا، ولا اشياء لا جدوى منها اطلاقا. الله – نقولها مع بعض التحفظ – زائده هو الإنسان الحي فقط، هو الانسان بأنواعه، الطفل، الشاب، الشيخ، المرأة، الإنسان المعوّق والمنبوذ، المحتاج والمتسوّل، الفقير والمتألم.. انه جميع أنواع الانسان، في كلّ وجه من أوجه الانسان المتنوعة نرى الله، لكن، وايضا، لا نراه حقيقةً ومطلقا، بل ظلٍّ.