آباء السينودس المقدّس لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية الجزيلي الإحترام،
وأبنائنا الروحيين الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع المؤمنين المبارَكين أبناء كنيستنا السريانية الكاثوليكية وبناتها في بلاد الشرق وعالم الإنتشار
نهديكم البركة الرسولية والنعمة والمحبّة والسلام بالرب يسوع إلهنا ومخلّصنا ومرشدنا ومصدر عزائنا:
نكتب إليكم في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها شرقنا الغالي المتخبّط في بحرٍ هائجٍ متلاطم الأمواج التي تكاد أن تصرعه، وقلوبنا تدمى من جراء ما أصاب ويصيب أبناء شعبنا المسيحي في الشرق، خاصةً في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة، من اضطهادٍ وعنفٍ منقطعَي النظير لم نشهد مثلهما منذ بداية القرن الماضي.
فها هم أبناؤنا في الموصل يُهجَّرون قسراً بعملٍ لا إنساني هو تطهير ديني فاضح لم يعرفه المسيحيون منذ مئة عامٍ، ترتكبه ما تُسمّى الدولة الإسلامية، بعدما أنذرَتْهم بوجوب اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، وإلا نصيبهم التهجير أو القتل! وها هي أجزاءٌ من مطرانيتنا في الموصل تُستباح وتُحرَق على يد مجموعاتٍ من الإرهابيين التكفيريين، ودير مار بهنام الأشمّ يُستولى عليه، وكذلك مطرانيتنا في حلب تُصاب بقذائف هدّامة.
أمام هذا الواقع المأساوي الأليم، وخلال تواجُدنا هنا في مقرّ وكالتنا البطريركية في كامبو مارسيو بروما، تابعْنا باهتمامٍ بالغٍ وتأثُّرٍ عميقٍ وصلاةٍ حارّةٍ، ما يصلنا من أخبارٍ عن الأوضاع في العراق وسوريا، وبخاصة في الموصل وحلب. وقد آلينا على نفسنا المتابعة الشخصية لهذه الأحداث المفجعة مع الكرسي الرسولي، بغيةَ القيام بأقصى ما يمكن فعله حفاظاً على وجودنا المسيحي العريق والموغل في القدم في الشرق منذ أقدم العصور المسيحية، سيّما بعد أن فرغت الموصل من أيّ وجودٍ مسيحي لأوّل مرّةٍ في تاريخها، وازدادت المخاطر وتعاظمت المعاناة لسكّان حلب الأبرياء طوال عامين.
وبمعونة الرب وبركته، فاجأَنا قداسةُ البابا فرنسيس بمكالمةٍ هاتفيةٍ دامت تسع دقائق، بعد ظهر يوم أمس الأحد 20 تمّوز، أكّد لنا قداسته خلالها أنه يشعر بالقلق الشديد لما يجري للمكوّنات المسيحية في العراق، بعد أن اقتحم الإرهابيون التكفيريون مدينة الموصل وجزءاً من البلدات المحيطة. وتمّ تهجير مَن تبقّى من مسيحيي هذه المدينة على أعين العالم، إضافةً إلى ما يجري من أعمال عنفٍ دموي في سوريا والأراضي المقدّسة.
فشكرْنا قداستَه على لفتته الأبوية، وشرحْنا له معاناة المسيحيين، لشعورهم ليس فقط بأنّهم مستهدَفون من قِبَل التكفيريين، بل لأنّ العالم يبدو وكأنه غافلٌ أو متجاهلٌ لهذا الإجرام الذي يُرتكَب باسم الدين، ويطال جماعةً دينيةً عريقةً، ارتبطت حضارة الرافدين بها أصلاً. إذ ليس الأفراد والجماعات وحدهم المستهدَفين، بل هي أيضاً تلك الحضارة الشهيرة التي عرفَتْها خزائن الكتب والمخطوطات في الأديرة ودور العبادة، وهي إرثٌ للعالم أجمع.
وبعد التداول مع قداسته في الأوضاع في الشرق وضرورة التحرّك من قِبَل الكرسي الرسولي، منحَ قداسته بركته الأبوية لجميع مسيحيي الشرق، مؤكّداً أنهم جميعاً حاضرون في قلبه وفكره وصلاته على الدوام، وأنه سيبذل قصارى جهده في سبيل إنهاء هذه المحنة في أقرب وقت، متّحداً معنا ومع أبناء الكنيسة في الشرق برباط الرجاء الذي لا يخيب، بأنّ الأيّام الصعبة ستنتهي وتزول لا محالة، ليعود الأمان والسلام والطمأنينة والإستقرار.
كما زرنا سيادة رئيس الأساقفة دومينيك مامبيرتي وزير خارجية الفاتيكان، واقترحنا على سيادته التنسيق مع سفراء الكرسي الرسولي في بلاد الشرق الأوسط، ودعوة السفراء المعتمَدين لدى حاضرة الفاتيكان، والتعاون مع الكنائس الأخرى سيّما الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لحثّ المراجع الدولية والمرجعيات الإسلامية المعتدلة، لشجب ما يحصل حالياً بحق المسيحيين في الشرق وسائر المكوّنات الأقلّية الأخرى، والعمل الجادّ والفعّال لحلّ هذا الوضع الخطير المتأزّم، ولكي تُحفَظ الحقوق المدنية والحرّيات الدينية لجميع المكوّنات الدينية والمذهبية والعرقية في بلاد الشرق، سيّما العراق وسوريا. وأبدى سيادته تفهُّمه الكامل لما طرحناه من هواجس وما قدّمناه من أفكار، مشاطراًَ إيّانا القلق على مصير الوجود المسيحي في بلدان الشرق، ومؤكّداً أنه سيسعى بكلّ الإمكانيات المتاحة لإطلاق صرخة الحق والعدالة، ومشيراً إلى السعي الحثيث لقداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، وتوجيهاته الحازمة لكي تُحترَم إنسانية جميع المكوّنات البشرية في البلاد المذكورة.
وأجرينا مقابلاتٍ صحفيةً عدّة، خاصةً مع راديو الفاتيكان، وناشدْنا منظّماتٍ دوليةً عدّة، حكومية وغير حكومية، رافعين الصوت عالياً لشجب واستنكار ما يجري في الشرق، خاصةً في العراق وسوريا.
إنّنا نؤكّد تضامننا الكامل مع أبنائنا وبناتنا الروحيين في الشرق، سيّما في سوريا والعراق، ونجدّد ثقتنا بمخلّصنا الذي أكّد لنا أنه “في وسط كنيسته فلن تتزعزع أبداً”، و”أبواب الجحيم لن تقوى عليها”. وندعو جميع أبنائنا إلى رصّ الصفوف والإتّحاد بالصلاة والتضرّع إلى الرب ليخفّف هذه المحنة ويقصّر الأيّام الصعبة، فيلاشي ظلام ليل الآلام والضيقات، ليشرق فجر القيامة والرجاء، فوق كلّ رجاء، بمعلّمنا الإلهي الذي يمنحنا النصر بقوله: “ثقوا، إني قد غلبتُ العالم”.
وه
ا نحن نستعدّ للقيام بزيارةٍ أبويةٍ إلى عددٍ من رعايا أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية وكندا، اعتباراً من صباح يوم غدٍ الثلاثاء 22 تمّوز، يرافقنا فيها صاحبا السيادة مار باسيليوس جرجس القس موسى المعاون البطريركي والزائر الرسولي في أوروبا، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد، والشمّاس حبيب مراد أمين سرّنا، متوخّين أن نثبّت كنيسة الإنتشار في تلك القارّة في الإيمان الأصيل والتمسّك بتعاليم كنيستنا السريانية وتقاليدها ولغتها وتراث الآباء والأجداد في بلاد المنشأ في الشرق. كذلك نأمل أن نقوم بمقابلة عددٍ من الشخصيات المؤثّرة على اتّحاذ القرارات المصيرية العادلة دفاعاً عن حقوق جميع الشعوب، سيّما مكوّنات الأقلّيات المهمَّشة.
نختم بإهدائكم بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية، ولنبقَ متّحدين بالصلاة، لأنّ الصلاة بإيمان تنقل الجبال. ولتشملكم جميعاً بركة الثالوث الأقدس، الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، إلى الأبد. والنعمة معكم.
اغناطيوس يوسف الثالث يونان
بطريرك السريان الأنطاكي