الإنسان أمام الله.. التخلّص من مأزق العقل الفلسفي المجرّد (4)

الأمر المهم، في حياتنا المسيحية خاصة، وفي حياة كلّ إنسانٍ على العموم، هو مشكلة الشعور أو الاحساس بالكائن الذي نسمّيه “الله”. كثير من البشر يتصورونه “نكرةً” غريبا عنا، بعيد، كائنٌ ممنوع لنا التقرّب منه وإقامة علاقة معه. في الزمن القديم وعند الشعوب البدائية القديمة، هناك تصوّرات عديدة عن الالوهة، وعن فكرة الله. فالله الذي في تصورهم، هو الكائن المطلق الجالس على العرش في السماوات، والبشر تحت على الأرض، وهو يرى كلّ ما يحدث ويدور على الأرض، من شاردة وواردة، ويسجل الاخطاء والزلات والهفوات في دفتره الخاص، وهو بالاضافة الى ذلك، يوزّع الارزاق والخيرات. إنه كائن بعيد، غريب، وهم يقتربون منه بإقامة الشعائر والطقوس والعادات، والاخلاق الحميدة، وكثير من الممارسات الأخرى التي تؤتي بالاشمئزاز. وهذا الاله، أو فكرة الالوهة، تعتبر، بالنسبة لهم على الأقل، مركز الكون والأرض والحياة. وهناك شيءٌ آخر ايضا، فبعد تقدّم الزمن ونموّ الفكر، يقوم الانسان بإدخال الله في أدقّ تفاصيله الحياتية، وهنا نقول صراحةً، ممنوع لله ان يدخل في حياتنا الاجتماعية وتعقيداتها، ويوضع كطلسمٍ أو تميمةٍ من تمائم الناس، أوكتعويذة توضع على الأبواب والسيارات والنوافذ، ويستعمل ايضا في الشتائم والاستهزاءات البشرية، وفي المعارك (باسم الله وباسم الشعب). فقدنا هذه الشحنة العاطفية السريّة في الايمان، وفي التعامل والتواصل مع الله.

Share this Entry

مع شديد الاسف، ركلنا بأرجلنا النعمة الالهية، وأخذنا بدلا عنها، الامراض، والتصوّرات الخاطئة الفاسدة، التي صعقت حياتنا، وهزّت كياننا الداخلي، وفتحتْ الثغرات والفجوات، فأصبحنا ريشةً في مهبّ الرياح. او – وهذا قد يكون هو التحليل الأقوى – اصبحنا نحنُ آلهةً بدلا من الله الحقيقي، لإننا تركنا النعمة وركضنا وراء الظاهريات والماديات والمحسوسات والملذات التي تلمعُ أمام أعيننا، غير واعين بما خلف هذه المادة التي خلقها الله، وزرع فيها روح خلاّق فعّال، يشدّ خلايانا بعضها ببعض لتصبح مادةً حيّةً خلاقة.

نعم، العقلاء، واتباع المنطق الرياضي والبرهان والاختبار الفيزيائي، ومع العلم، أني لا أرفضُ هذا، لكن في مجالهم الخاص فقط وليس تدّخلا في مجالات أخرى لا يقدروا المسّ بها لا من بعيدٍ ولا من قريب، هم يحتاجون الى دليل، اثبات، لكن من المستحيل والممتنع، أعطاهم ما يبغون، هناك امورا في الحياة لا نستطيع ان نُقيم لها الدلائل والفحوصات المختبرية، ونضعها في سلّة الدراسة والفحص والتقييم، كالحب، والحدس، والسلام، والحب الأبوي، والامومي، والاحساس بالأخر، أو احساس الجمال، والهدوء والسكينة والتأمل الروحي، والتواصل الذاتي مع الله. إنها فقط تعاش كخبرات إنسانية وجدانية حقيقية، وأتمنى لو لا نتجادل ونصاب بعضّة من عضاتِ العلم التجريبي والمنطق الرياضي، لكن، صوتنا يذهب سدىً، وكأننا واقفون في وادٍ بين جبلين، ننادي ونصرخ ويعود الصدى الينا، ولا جدوى، والدليل ما نسمعه ونشاهده في قنوات التلفاز والاخبار، وآخر الاكتشافات الحديثة، والتدخل في حيوات الانسان، وعمل الممنوع، ووضع اليدّ على زر الخطر المخيف، وفي المقابل يقف الناس مكتوفي الايدي أمام مثل هذا الجبل العالي، لا يدرون ما يفعلون ويقومون بإختراع الوسائل والسبل للإستمرار معهم والسير بإتجاهٍ آخر غير الاتجاه الذي كانوا يسيرون به ويقولون ويعترفون، نحن نمشي مع التيّار، ومع تيارات المودة… ولا نقدر ونقوى السير ضدّ التيار.

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير