حَلمتُ ذات مرّةٍ، بطفلةٍ صغيرةٍ، لا يتجاوز عمرها الشهرين. وهي طفلةٌ سمراء اللون، لكن عندما كنت أشاهدها، كانت تضحكُ لي ضحكةً غريبةً، وكأنها تُداعبني وتغمُز لي، وتفهم الاشارات والعلامات، وكأنها تعطيني علامةً ما، وأثرا خفيّا، وكانت تحرّك يدها بطريقةٍ جميلةٍ جدا. بصراحة، انا رأيتُ ملاكا وليس طفلةً؛ والطفل، هو ملاكٌ أيّ ما كان لونه. في تلك اللحظة وأنا مستيقظ من نومي صباحا، كنت سعيدا جدا، وأتاني شعور غريب، لا اقدر أن أفسّره وأن أشرحه أبدا، شعورٌ غامر بالسعادة والدهشة والتعجب والولادة الجديدة. هنا، أنا تصوّرتُ الله كيف هو، لا يوجد شيء أجمل وأبدع وأحلى من ضحكة هذه الطفلة الرائعة، البريئة، الشفافة، الساحرة، التي – أظنّ – ليست من هذا العالم أبدا، لكنها شيءٌ مختلف، مغاير، صعب علينا أن نعيه، إنما فقط نعيشه كخبرةٍ عميقة تولّدنا للحياة الاخرى. وفي تلك اللحظة، شعرتُ ما هو الله..! . إنه المختلف المغاير، النقاء المطلق، والشفافية والوضوح اللامتناهييَن، الابعد عن الوصف، الجمال عقليا، وباطنيّا، وكيانيّا، وروحيّا. ونؤكّد، أن هذا الكون الفسيح الكبير، ما هو إلا، في حضن الله كقطرة ماءٍ يمسكها ولا تجفّ.
من جهتنا، نحن ايضا – كما رأينا وأيقنا شفافية هذا الاله – أن نسعى الى ان نكون شفافين معه، غير متخشبين، متعصبين، حساسين زائدا عن الحد المسموح به، علينا استقبال الله، وأن نصبح – قبل عملية الاستقبال – كيوحنا المعمدان، أن نمهّد ونبلّط الطريق لاستقبال الله، في عقلٍ وقلبٍ نظيفين، فلا يعقلها أحدٌ أبدا، ولا نقبل نحن ونستسيغ، الأكلُ من صحنٍ غير نظيف، وشرب الماء من قدحٍ وسخ. ولهذا، عندما نستقبل الإله هذا النقيّ والشفاف، في قلبٍ مشوّه، وعقلٍ غير منفتحٍ، وكيانٍ مريض، سيكون صورة مشوهة خاطئة عنه، سنعكس عليه أوهامنا، ونضعه في خانة مليئةٍ بالاوساخ والأتربة، وستختفي عنه صفة النقاء والصفاء والقداسة. لكن، الله لا يتأثر بأوساخ الانسان وخطاياه كما ذكرنا، نحن الذين سوف تلتمّ علينا خيوط العناكب من جرّاء غلق غرفة الأنا لسنينَ طوال. وسنرى الواقع المزيّف، وصورةً للعالم كبودقةٍ مغلقة على ذاتها، ونحن داخلها، فنموت قهرا من إنكماشنا وإنغلاقنا، ويموت فينا سرّ الحياة – الله – وتموت بذرة الأمل والرجاء، فنقوم بالتعلّق الشديد بأصنامنا ورغباتنا، فتتحوّل هذه الأخيرة، الى قانون حياةٍ نسير بموجبه.