1. ختم التألّه في القلوب
الختم، هو وسم الألوهة يصيّر المعمّدين على صورة المسيح الفادي (روم8: 29)، يحولهم الى مملكة ملوكية وكهنوتية وأمة مقدّسة (راجع خر19: 6) ويتعلق نجاح هذه المسيرة، بمدى تفاعل المؤمنين مع روحانية هذا الختم المقدّس. تدلنا الخبرة الإنسانية، إلى حقيقة واقعية مفادها أن المؤمن معرّض دوماً للخطأ، لا بل نجد أمامنا إخفاقات كبيرة، فقد أثبتت التجربة فشل الإنسان في الحفاظ على وهج هذا الوسم الإلهي، والسبب يعود الى تورّط المؤمن في تعقيدات المجتمع فأضعفت الإرادة وأحبطت العزيمة في عيش القداسة!! لكن الرب بوافر نعمه وغناه، لم يتوانى في دعوة محبيه الى السعادة والشركة معه، لأنّ روحه الحيّ لا زال يعمل فهو يهب حيث يشاء (راجع يو 3: 8) ليوقظ بقدرة المسيح يسوع في كل قلب يسعى الى الحبّ الملتزم والدائم، الرغبة والتوق والشغف والعطش إلى القداسة، تحقها الدعوة الى الحياة التكرّسية أو الزوجيّة. إن حركة الحبّ وديناميكيتها وقوّتها في حياة الخطّاب، تعود أولاً وأخيراً الى عمل الروح عينه الكامن في كيان الخطّاب (راجع فل2: 13) الذي يدفعهم نحو عيش ملتزم لروحانيّة الختم الإلهي، حيث تستعاد في سر الزواج الدعوة الى التأله بطريقة جديدة وخاصة. فعندها يدخل الزارع الإلهي الى حياة العرسان والأعراس، محييًا فيهم بواسطة عمل الروح عطش النقاء الى الحبّ المؤلّه، وذلك عبر فلاحته المتأنيّة لحقل الأذهان مستأصلاً منها الأفكار الخبيثة والمشوهة عن فكرة الحب، زارعاً فكر إبنه الوحيد يسوع المسيح، منقيًّا من القلوب، النوايا المضرّة، ساكباُ في بيادر المشاعر والأحاسيس غيث الحنان والعواطف المقدّسة، فتتحوّل قلوب الخطّاب الى مواسم مباركة تنمي في حياتهم الإنسانية والروحيّة، سنابل مقدّسة وفيرة بواكير للحياة الأبدية، القداسة أولى ثمارها.
2. دور الخطّاب
فأمام العمل الإلهي الذي يحققه الله في القلوب العاشقة، يقابله جهد وتعاون الخطّاب أنفسهم وإنفتاحهم الإرادي والحرّ، على عمل الروح السرّي والدائم، الذي ينمي في حياتهم العاطفية والروحيّة والإجتماعية قداسة السماء (راجع أع17: 28). وهذا النجاح مرهون بمدى تطابق إرادة الخطّاب مع إرادة الله الفدائيّة. فإذا أردنا معرفة حقيقة إخفاق الحياة الزوجيّة في عالم اليوم، سنجد أن السبب الجوهري يكمن في الجهل الذي كان مسيطراً في مرحلة الخطوبة[3] الذي أفضى ويا للأسف إلى خيارات كارثية ومتهورة، كانت نتيجتها التفكك الأسريّ . ومن هذا المنطلق الإختباريّ، بإمكاننا القول أن مقياس نجاح الحياة الزوجيّة مرهونٌ، بمدى إنفتاح الخطاب نحو مبادرة الله الخلاصيّة (راجع آشعيا6: 6- 10؛ 50: 2؛ 65: 2؛ روم10: 21) تتطلبّ من قبلهم أخذ زمام المبادرة الواعية والحرّة والمسؤولة في نجاح الحياة الزوجيّة (راجع لو5: 8- 10؛ رؤ 12: 14). نجاح يتحقق على مستويات عديدة، منها: الإنفتاح والتدرّب المستمر على الحياة الروحيّة، ووضع حوافز روحيّة وإنسانيّة تشجع الإرادة في خوض غمار الحياة الزوجيّة المسيحيّة، التواصل هو من أهم تلك الحوافز، يتحقّق في ممارسة عمليّة لمبدأ الحوار، حوار مع الله ومع الآخر. والإلتزام بالسير المتواصل في مسيرة الإعداد، يشجّع الخطاب وينمي فيهم الرغبة العمليّة في عيش الملكوت (راجع أش55: 1و 6؛ لو11: 9 و يو16: 24) فينالوا صحة عقلية ونفسية وروحيّة، تدّعم خيارهم وتوجهاتهم المبينة على صخرة الإيمان الثابتة.
3. عائلة الناصرة في مسيرة الإعداد
من يستطعم الحب الحقيقي، عليه أن يسير نحو العمق أي نحو الله المحبّة صاحب المبادرة، الذي يدعو الخطاب الى عيش غمار الحبّ المؤلّه من خلال سر الزواج المقدّس (راجع يو15: 19) فيه يُرفع الحبّ الإنساني الى حالة التألّه. ولكي تتحقق تلك الحقيقة[4] يتحتم على الخطّاب، الإقتداء بعائلة الناصرة وتبني قيمها الروحيّة كأولويات أساسيّة وجوهرية في نجاح مسيرتهم أهمها: تحقيق إرادة الله من خلال الطاعة لكلامه، والإستسلام إلى مشروعه الخلاصيّ، والإصغاء العمليّ الى نداءات الروح القدس من خلال تعاليم الكنيسة والإرشاد الروحيّ، والبحث المتواصل عن حضور الله (راجع لو1و 2) وإصرار الثنائي في الإلتزام معًا في حياة مسيحية قوامها عيش الفضائل الإلهية والإنسانيّة، على قاعدة عطية الذات الغير المشروط. وهذا التشبّه يمكّن الخطّاب- العشاق بالتحرر من النماذج الخدّاعة والواهيّة، ومن ثقافة المنفعة والإستهلاك. يهدف إقتداء الخطّاب بقيم بعائلة الناصرة العيش «فرح الرب،… فالله وضعنا في العالم لنعرفه، ونخدمه، ونحبّه، ونبلغ هكذا الفردوس. والسعادة تجعلنا “مشاركين في الطبيعة الإلهية” وفي الحياة الأبدية، بها يدخل الإنسان في مجد المسيح، والتمتّع بحياة الثالوث»[5] الذي يحوّل بنعمة الروح القدس القلوب اللحميّة – العاشقة، الى أيقونة المسيح فادي الإنسان وذلك بفضل سر الزواج المقدّس(راجع2قور3: 7- 17).
خاتمة
إنطلاقاً مما سبق، بإمكاننا الإستنتاج: أن الله ينشأ في حياة الخطّاب إنطلاقة روحيّة جديدة، تبدأ في مسيرة إستعدادية وتدرّجية نحو القداسة، من خلالها يتعلّم المدعوون حياة المسيح، إنها مسيرة تصاعدية متطلّبة، تتطلب الوعي والتحرر من كل المعوقات، ومواجهة التحديات، وسلوك مسيرة هادفة المعالم والوسائل، من أجل عيش إختبار روحانية التجلّي- القلب الإلهي (راجع مر9: 1- 7) الذي عليه وفيه ومنه ستُختبر لمسة الله المقدّسة، وهذا ما يحققه بالتحديد سر المعمودية، يستعيده الزواج المقدّ
س بطريقة جديدة، يتجدّد بشكل دائم في سرّ الإفخارستيا ويتنقى في سر التوبة. فالخطوبة ليست إلا إمتحان صارم للخطّاب، لأن ناجح حياتهم الزوجيّة مرهونة بمدى عيش فعالية روحانية الوسم الإلهي.
[1] – راجع دستور عقائدي في الكنيسة، فقرة 42، ص 113
[2] – راجع التعليم المسيحية للكنيسة الكاثوليكية، فقرة 1272
[3] Denis Sonet, Réussir notre couple, p 7-8
[4] – البابا يوحنا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم، فقرة فقرة56
[5] – التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، فقرة 1729- 1721