حبّ الله حبّ انسانيّ .. فرقٌ بين الكتاب المقدّس والأساطير اليونانيّة !

لاهوت الحبّ والزواج (14)

Share this Entry

عندما يتكلّم الكتاب المقدّس عن حبّ الله الإلهيّ ، لا يعني ما تعنيه الملاحم والأساطير اليونانيّة . الكتاب المقدّس يقول إنّ الحبّ هو ” الله” ، وهذا ما لم تقله الديانات السابقة أبدًا .

في تكوين 2 : 4 : يبدو الله وكأنه يكتشف شيئا فشيئا حاجة الإنسان إلى الحبّ ، يراه حزينــًا ، كئيبــًا ، يغوص في سبات . الإنسان ليس مثل الله ، إذ لا يمكنه أن يعيش وحده . ورغم وجود كلّ الخلائق حوله ، يبقى بحاجة إلى شيء شبيه به ، شريك له ، وهو لا يجده .

” إنّ الإنسان يبحث عن نفسه عندما يبحث عن شخص آخر ”  . هذا هو مختصر فكرة الكاتب اليهويّ ، وهذا ما سيعنيه يسوع في (مرقس 10 : 1 – 12) . وما صورة ” الضلع ”  التي يرفعها الله من آدم إلا تعبير عن نقص فيه لا يجد إكتماله إلاّ في إنسان آخر .  الكاتب يركّز على هذا البحث ، على الفراغ الكامن في الصدر .

في كلّ إنسان حاجة ناقصة لا يمكن ملأها إلاّ من الخارج . إنه بحاجة ٍ إلى مرآة حيّة ، تحمل حاجته هو . والحبيب الناقص مجروح مثله . القصّة الآولى تقول ما معناه ، لو لم تكن المرأة ، لأضطرّ الرجل أن يخلع ضلعا من أضلاعه . أي أنّ هذه المرأة هي التي ستجعله كاملا ، أي انسانا طيّبا . فالرفيق الحبيب هو مساعد نحو الإكتمال (تك 2 : 18 ) .

في مفهوم الكتاب المقدّس ، هناك فرقٌ كبير بين ” حبّ الله ” و ” حبّ الإنسان ” ، لكن حبّ الإنسان أصله من الله ، ولهذا يعمل الله حسابا لهذا الحبّ الإنسانيّ . فالله كائن مطلق ، لا يحتاجُ إلى قرين ولا يعرف العزلة . لكنّ الإنسان لا يصيرُ إنسانا إلاّ من خلال قبول هذا النقص الذي في قلبه . وقبول هذه  الرغبة التي تعمر صدره . إنه بحاجة إلى ” لقاء ” مع ما يكمّله ، وعندما يلتقي به يستقبله كهديّة (تك 2 ) ، كمصير محتوم يتجاوَز كلّ تصوّراته وتخيّلاته ، فلا يملك سوى الشكر والعرفان .

هذا هو ، إذن ، الفارق بين الكتاب المقدّس والملاحم اليونانيّة . ففي الكتاب المقدّس الله حكيم ، متفهّم ، عارف بأعماق الإنسان ، ” فاحص الكلى والقلوب ” ، يتجاوب مع حاجات الإنسان كالأب . فيأتي الحبّ من الله ؛ قادمًا من داخل كيانه ، ليسكن في أعماق القلب وفي فراغ الصدر ، يأتي متناغمــًا ، متناسقــًا ، يأتي لا كصدفة أو كحيلة ،  أو كتخطيطا مسبق من قوى غامضة مجهولة  ، وإنّما يأتي كــ ” مرحلة ” من مراحل الخلق فرضت نفسها ، أضطرّ إليها الربّ كي يعالجَ مشكلة شخص يحبّه .

في الأساطير، الحبّ عقدة . أو مجموعة عقد غير مهضومة ، ولعبة طفل صغير مشدود العينين ، يطير راميًا سهامه كيفما اتفق ، لا أحد يسلم منها . أمّا الحبّ الذي يوقظه الله في الكتاب المقدّس ، فليس شيئا مفروضا من الخارج كــ ” قدر ” ، لكنه تكميل للمرء وتحقيق لكيانه . في الأساطير ، الحبّ يختطف من الإنسان كيانه وحريّته ووعيه ، ولكن في قصّة الخلق الكتابيّة الحبّ يأتي من الله ليرفع الإنسان ويقوده نحو توحيد كيانه . حبّ الله يكشفُ حقيقة سرّ الإنسان الذي هو سرّه (الثالوث- العلاقة)  . وبعكس مقولة الأساطير يقول الإنجيل :  ” ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان ” . أي أنّ الحبيب ليس معبودًا ، الحبّ هو المعبود . ومن نلتقي به ليس إلها ، ولا تجسّدا لله . فنحن عندما نحبّ الآخر لا نفقد شخصيّتنا ، بالعكس ، نجدها . ولكن ، لن يصبح الحبّ آخر حقيقة نكتشفها ، فما وراءها هناك حقيقة أخرى ، كائن مطلق يطلّ بوجهه ، هو الذي  على الإنسان هذا أن يبحث عنه  ويحبّه بحبّ شامل غامر واسع ، هذا الفرق مهمّ جدّا لكي ندخل في الفكر المسيحيّ لكي نفهم نظرة المسيح إلى الحبّ . وندخل أيضا في مفهوم الزواج المسيحيّ ولاهوته . لكن ، قبل أن ندخل في ” لاهوت الزواج ” ، علينا قبل هذا ، أن ندخل في موضوع أسمه : عندما يُزاح الحبّ من مكانه … وكيف تتمّ إزاجة حبّ الأهل .. والقلق والضغوط .. والإزاحة العاطفيّة  .. وحبّ الإزاحة  وجذوره . يتبع

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير