في الجزء رقم (18) ، تطرّقنا إلى بعض من القصص والحكايات القديمة التي تكشف معاني كثيرة في العلاقات والحبّ . وهنا في هذه الحلقة ، سنكملُ البعض الآخر .
كان يا ما كان في قديم الزمان ، كان لشيخ وعجوز ولدٌ وحيد ، لم يخلق في حسنه ، إلاّ يوسف الصدّيق ، أحبّته جنيّة (ساحرة ) ، فتمنّع الولد ؛ فإنتقمتْ منه وتوعّدته أنها في ليلة زفافه ستقبض على روحه . هكذا ، باتَ يتهرّب من الزواج ويؤجّله ، إلى أن لم يصبح ذلك ممكنا أمام إلحاح ِ والديه العجوزين . فقبل أن يخطب ” ابنة الحلال ” وتمّت مراسيمُ الزواج ، وانصرفَ المدعوّون إلى بيتهم ، وبقي هو والعروس ووالديه .. وفجأة ً جاءت الجنيّة وقالت ، أنها أتت لتتمّ وعيدها ، جاءت لتقبض روحه ، فحدث اضطرابٌ كبير ، وتقدّم الأب الشيخ ، فعرضَ نفسه ليموت هو من أجل ابنه ، فقبلت الجنيّة . فتمَدّد الشيخُ وبدأت روحَه تغادر جسده بدءًا من القدمين (كما تقول الحكاية) ، ولمّا وصل الموت إلى البطن ؛ ارتعبَ الشيخ ولم يعد يتحمّل ، فطلبَ من الجنيّة أن تتراجع لإنه غير قادر على ذلك . رمقته زوجته العجوز بنظرة إحتقار ، وقدّمت نفسها لتموت هي عن وحيدها (فلذّة كبدها) ، فتمدّدت وهي الأخرى لم تتحمّل حتى منطقة الصدر ، بل طلبتْ أن تعود إلى الحياة ، فقامت واتخذت مكانها منكمشة على نفسها مذعورة .
في الأخير ، طلبت العروس ذاتها ، أن تكونَ هي الفدية لزوجها (المضحّية) ، فبدأت الجنيّة بسحب روحها ، ووصلت إلى الصدر وعبرت إلى العنق ولم تبد عليها إمارات الندم أبدًا ، ووصلت إلى العينين وكادَ كلّ شيء ينتهي ، وسألتها الجنيّة الساحرة : هل أنت نادمةٌ الآن ؟!
قالت لها العروس : أبدًا ، لستُ بنادمة . ووصلت إلى الحاجبين ، وفجأة ً ، أعادت الجنية إليها الروح والحياة ، وأقامتها وسلّمتها بيد زوجها وقالت : ” خذها ، لقد خلّصتك َ ، إنها وحدها التي تستحقّك ” .. هذا هو الحبّ الحقيقيّ ، الذي هو مقياس الله أيضا . التضحية بالذات.
إنّ هذه القصّة الأخيرة تحتوي على مثال بعكس الإزاحة ، ففي كلّ حال من يفهم معنى الإزاحة في الحبّ والتشويش الذي فيه ، يفهم المعاني الخفيّة لمثل هذه القصص . فمن الناحية النفسيّة ، لا يستطيع أحد أن يضمن نجاح أيّ زواج حتى إن حاولنا ذلك خلال الحفلة والتمنّيات . لكي تنضج العلاقة ولكي تمتدّ إلى كافة الزوايا ، يبقى الزمن ضروريّا . وحتى إن كان هناك كميّة من الإرادة الصالحة وحسن النيّة ، لكن ليس النجاحُ مضمونــًا رغم ذلك .
فنجاحُ الزواج وفشله ، يفلت حتّى من يد القانون أو الأعراف (وهذا ما يحاول المجتمع توفيره في كلّ الأحوال) ، ما يشعر به الزوجان هو حدودهما وعجزهما أمام الحكم على الأمور وكيفيّة تقييمها . المسألة في المقاييس ذاتها . من هو المقياس في الحبّ .. أنا وأنت أم المسيح ؟! هناك شيءٌ غامض ، غير متوقّع وفوضويّ في كلّ حبّ ، إن لم يكن المسيح في وسطنا … لذا قيل :” كلّ شيء من السوق ، المحبة فقط من فوق“. وقالت كلّ الشعوب ، أنّ ” الحبّ إلهيّ ” . أي أن الإزاحة لا يمكن أن تقاس بمقاييس القانون والأعراف . لا يمكن لأحد أن يُجبرني على أن أحبّ . يحتاجُ الحبّ إلى اقتراب وألفة وتعلّم وامتحان ونجاح ، ولكن فيه أيضا إحتمال الفشل .
إنّ المحاكم المدنيّة والكنسيّة مليئةٌ بأناس يريدون الإمساك بما يؤكّد لهم حقيقة الزواج . ويعترفُ الجميع أن ذلك مستحيل ، وأنّ كلّ شيء في النهاية ” قسمةٌ ونصيب ” . وأنّ الزواج الناجح شيء محيّر فهو يقودنا إلى منطقة الحياد ، حيث يحيا كلّ واحد حرّا إلى أن يكتشف ذاته حتى وإن بني في الجسر بقيّة حياته ، أي كان ارتباطه ” كالقير على الحصير ” . يتبع