ونحن في المرصد الآشوري لحقوق الإنسان وجدنا أنه من مسؤوليتنا كمؤسسة حقوقية تعنى بشؤون حقوق الإنسان، أن نلقي الضوء اليوم على ظاهرة انعدام الجنسية التي طالت العديد من الأطفال السوريين اللاجئين اللذين لم يتمكنوا من الحصول على الوثائق التي تثبت كونهم مواطنين سوريين.
● أرقام وحقائق …
* المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة : 30 % فقط من الأطفال السوريين المولوديين في لبنان يحملون وثائق ولادة رسمية.
* وزارة الصحة التركية: 6000 حالة ولادة طفل سوري على الأراضي التركية منذ بداية الأزمة السورية، 40 % منهم لم يستطيعوا التقدم بأوراق ثبوتية لإتمام عملية تسجيلهم.
* لجنة الحماية الدولية في الأمم المتحدة: 1400 طفل سوري ولد في مخيم الزعتري في الأردن من نهاية نوفمبر/تشرين الثاني2012 إلى نهاية يوليو/تموز 2013 حوالي 35 % منهم لم يحصلوا على شهادات ميلاد رسمية.
● ما وراء الظاهرة …
تأتي ظاهرة انعدام الجنسية كنتيجة وأثر قانوني مباشر لانعدام واقعة التسجيل المدني. فعدم التسجيل يرتب استحالة إثبات نسب الطفل وبالنتيجة يحرمه من حقه في الحصول على جنسية أبيه. فوثيقة الميلاد المسجلة رسمياً تعتبر بمثابة ضمانة جوهرية تكفل للطفل التمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في القوانين الدولية ومن أهمها اكتساب الجنسية.
وفيما يتعلق بوضع الأطفال السوريين وفي ظل الأوضاع الراهنة و أمام اضطرار الكثير من العائلات وعلى نحو متزايد إلى الفرار من سوريا، كثيرا ما تجد العائلة السورية نفسها أمام عائق تسجيل أبنائها المولودين في بلدان اللجوء أو حتى المولودين في سوريا بسبب عدم توفر الظروف التي تسمح بتسجيلهم هناك.
و بالرغم من المبادرات و الجهود المبذولة من قبل المفوضية العليا للاجئين بالشراكة مع حكومات دول اللجوء من أجل معالجة هذه الظاهرة السلبية من خلال مجموعة مبادرات وتسهيلات ادارية وقانونية. إلا أن الاحصائيات تشير وكما أسلفنا إلى أرقام مرعبة لولادات غير مسجلة في دوائر هذه الدول وذلك قد يعود اما لعدم قدرة اللاجئين السوريين على تقديم و إبراز الوثائق المطلوبة للتسجيل ( أوراق الهوية، شهادات الزواج)، أواشتراط تقديم دليل على الإقامة القانونية من أجل إتمام التسجيل، وكذلك تقف القيود الصارمة المفروضة على حق التنقل خارج المخيمات بالنسبة للاجئين المسجلين عائقا آخر.
● محاولات وحلول فردية …
بالوقوف أمام هذه الظاهرة الخطيرة وجد بعض السوريين من غير القادرين على الحصول على شهادة ميلاد قانونية في البلد المضيف، نفسهم أمام ضرورة البحث عن سبل حملت لهم في طياتها الكثير من المخاطر وغالباً القليل القليل من الحلول.
فمنهم من اضطر للعودة إلى سوريا في مراحل الحمل المتأخرة، أوتهريب أطفالهم حديثي الولادة عبر الحدود لتسجيلهم كما لو كانوا قد ولدو هناك، أو اضطرار الأب أحيانا للعودة وحده سعياً منه للحصول على الوثائق اللازمة لتسجيل مولوده.
● شهادات من واقع الظاهرة …
□ اضطرت (ش) الأم الحامل إلى إنجاب ابنتيها التوأمين في الأردن بعد أن فرت من سوريا عقب اعتقال زوجها بسبب رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية ، ولم تسمع عنه أي خبر منذ ذلك الحين.
قالت: غادرت دون أوراق، و الآن لا تستطيع طفلتاي الحصول على شهادتي ميلاد، لأنني لا أملك الوثائق التي تثبت زواجي، و زوجي ليس هنا ولا أستطيع منحهما جنسيتي.
□ عندما سئل ( ر ) الأب الجديد في مخيم الزعتري عما إذا كان سيسجل طفله حديث الولادة، أمسك بيده وثيقة الإعلام عن الولادة الصادرة عن المستشفى مخطئاً في زعمه وقال < هذه شهادة ميلاده >.
□ قالت ( س ) وهي أم لمولودة جديدة في مخيم المفرق في الأردن: لم أتمكن من تسجيل طفلتي لأن دفتر القيد العائلي الخاص بي قد أحرق عندما قصف منزلنا في دوما بريف دمشق، غادر زوجي منذ أكثر من ثلاثة أشهر و لم يعد حتى الآن.
● انعكاسات الظاهرة …
كنتيجة حتمية لافتقار الكثير من الأطفال السوريين اللاجئين للأدوات الأساسية لإثبات جنسيتهم فهم حتما ولا محالة يدخلون ضمن نطاق الأشخاص عديمي الجنسية مما يجعلهم عرضة إلى
– عدم إمكانية الاستفادة من حقهم في الرعاية الصحية و التعليم حاضرا ومستقبلا.
– خطر الاستغلال اللاإنساني من عمالة اطفال، و زواج قصر، و تجارة الجنس، وحالات التبني اللاقانونية، وصولاً لحالات التجنيد المسلح القسري.
– عدم تمكنهم مستقبلاً من التنقل عبر الحدود بطريقة قانونية.
– صعوبة إثبات جنسيتهم السورية حتى في حال سنحت الظروف لهم بالعودة إلى سوريا.
وقوفاً على كل ما سبق ذكره في هذه الإضاءة البسيطة منا على ظاهرة انعدام الجنسية التي باتت وللأسف واقعاً يهدد الكثير من أطفالنا في مخيمات وبلدان اللجوء المجاورة، نأمل بأن نكون قد ادينا جزءاً صغيرا مما يقع على عاتقنا من مسؤولية حماية هؤلاء الأطفال الضحايا المنسيين في خضم هذه الحرب التي حرمت المئات منهم ذكرياتهم وأحلامهم الصغيرة، وكذلك ستحرمهم في حال لم يتم العثور على حل لهذه المشكلة الخطيرة في وقت لاحق، من حمل اسم و جنسية الدولة التي ينتمون إليها والتي ينتمي إليها اباؤهم واجدادهم.
مسؤوليتنا تكمن برواية قصصهم للعالم، ورفع الوعي بشأن محنتهم هذه، لئلا نجد أنفسنا ولو بعد حين أمام جيل كامل من الأطفال السوريين المهمشين والمعرضين للضياع في بلدان اللجوء.