الله يبحث عنا، مثل الدرهم الضايع (لو15: 8- 10)

يضعنا القديس لوقا في الفصل الخامس عشر من إنجيله، أمام حقيقة رسالة المسيح الخلاصيّة، وذلك في قالب تعليمي مأخوذ من عالم الأمثال، أطلق عليها تسمية أمثال الرحمة. سنعالج في هذه المقالة مثل الدرهم الضائع (لو15: 2-10) حيث من خلاله سنكتشف غيرة يسوع في خلاص النفوس، التي تاهت بشكل خاص في البيت ذاته أي الكنيسة.

Share this Entry

المرأة (آية8)  

يفسّر يسوع في مثل الدرهم الضائع، عمله تجاه الإنسان في الكنيسة، مستخدماً رمزية تدبير المرأة في شؤون بيتها، ولماذا المرأة؟ لأنها ست البيت، تتميز عن الرجل بمدى معرفة بيتها معرفة جيدة وماهرة، وتعلم كل ما يدور في فلكه، من تفاصيل وأحداث الحياة، وهي التي تختار المكان الآمن، لتخبىء فيه خزنة المال، المؤلّفة من «عشرة دراهم» (آية8) مملكة المرأة هو بيتها. وعندما تكتشف أنها أضاعت الدرهم، ستقوم للحال مسرعة في البحث عن هذا الضائع، فتوقد السراج (آية8) وتبدأ عملية البحث عنه بشكل مكثّف ودقيق.

 المكنسة (آية9) 

 إنها أداة تستعلمها ربات المنازل في تنظيف منازلهن من الأوساخ والغبار. لهذا سنجد المرأة تكنّس البيت كله لكي تجد الدرهم، فينطبق عليها المثل الشائع «بتفلّي النملة» أي تبحث بشكل مفصّل ودقيق عن كل مكان محتمل أن تجد فيه الدرهم. إن الدقة والمهارة والمرونة، والمثابرة المتواصلة والجدّية في البحث (راجع آية8) مقومات جوهرية في شخصيّة المرأة- ست البيت. وما فقدان الدرهم، إلا عملية تحريك وزحزحة لكل أثاث البيت، فالمشهد المعتاد سينقلب ويتغيّر، وعندها ستُبطل الإستثناءات وتُخلع صفة الإستقرار عن المنزل، لأن الضائع أهم من كل أثاث.

 تدرك المرأة جيًّدا أن عملها لا يمكن أن يضيع سدى، بل تراها تعيد المحاولة الواحدة تلوى الأخرى، حتى تجد الضائع، ليقينها أن الدرهم موجود في منزلها، وعندما تجد الضائع تدعو «الصديقات والجارات» (آية9) الى الفرح معها، لأنها وجدت ضالتها (آية10).

 
خلاصة روحيّة للنص

يعلن لنا مثل الدرهم الضائع الهمّ الرسولي المقدّس في إعادة من هم في ضياع، يتجلّى في عمل سيد البيت /عريس الكنيسة، الذي يذهب باحثاً عنهم ليعيدهم الى حضن الآب، فتراه يقلب الموازين والأعراف والعادات، مزعزعا الإستقرار “الوهمي”، لأن هدفه الوحيد تحقيق رسالته المعلنة من على الصليب (راجع يو19: 31- 37). لهذا ترى الرب يأخذ من تدبير المرأة- الأم، ليشرح ويفسر رحمته للناس، تتجلّى بالبحث عن النفوس الضائعة آخذاُ بيده مكنسة، والرمزية هنا سيّدة الموقف. ترمز المكنسة الى أنبياء عصرنا الذين أبوا الإستسلام للذل والهوان، بل أرادوا أن تكون كنيسة المسيح «كنيسة سنيّة لا دنس فيها ولا تغضّن ولا ما أشبه ذلك» (أف5: 27)، فجلعوا من حياتهم شهادة وقدوة مقتدين بمثلهم الأعلى يسوع المسيح، لا يخيفهم أي تهديد ولا يمنعهم أي وعيد ولا يغرهم المركز أو الكرسي أو الجاه والمطامع، أو حتى أصدقاء (راجع لو1: 46- 55)، همّهم الوحيد خلاص النفوس (راجع لو15: 7)، فصاروا «كالمكنسة» أداة طيّعة في يد الرب يسوع، يستعملها ساعة يشاء وكيفما يشاء، مكنساً بيته باحثاً عن الضائعين والمهمشين والقابعين في الظلمة.

خاتمة

إنطلاقاً مما سبق، علينا ألا نصاب بالإحباط كلما كثرت الفضائح من حولنا، إنه لأمرٌ طبيعي وعادي، فهي تُعدُّ دعوة الى عيش التوبة والتجدد والرسالة (راجع رؤ 2: 5) في البحث عن الضائعين. الفضائح هي كالأوساخ، إذ لا يمكن السكوت عنها أو التأقلم معها أو حتى تبريرها، وإلاّ تتحوّل الكنيسة الى مكب للنفايات (راجع لو12: 1- 3). فلنسأل ذواتنا: هل نريد أن نكون أنبياء نسهم مع قداسة البابا فرنسيس في إصلاح كنائسنا بهدف خلاص النفوس؟ يقال  أن القديسة برناديت كانت تشبّه نفسها بالمكسنة (إستعملها الله لينظف بها كنيسته ثم أعادها الى مكانها الطبيعي أي خلف الباب).
 لهذا لا أحد يمكنه أن يضيع في كنيسة يسوع المسيح. 

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير