لن ندخل في مسألة صحة أو عدم صحة هذه الأطروحات، وفي أن يجوز أو لا يجوز؛ حرام أم حلال؛ لأنها شأن مَنْ يتعاطون بها؛ وينفخون فيها حسب الظرف… ولكي يستوي الخطاب ينبغي أن يكفّ أصحابه عن إمطارنا ليلاً ونهارًا بالحديث عن السماحة والوسطية؛ ما داموا لا يحترمون التنوع البشري وحقوق المواطنة؛ وما داموا لا يحترمون حرية الاعتقاد وينكرونه على الآخر؛ إلى الحد الذي بلغ أقصى درجات التهجم البغيض؛ بتفخيخ العقول وتلغيم القلوب؛ وما ترتب عليه من انقسام بين مواطني البلد الواحد؛ وهدر قيم شراكه الوطن وكل اللياقات الاجتماعية .
لقد أعطى أفلاطون مثالاً مجازيًا رائعًا حول التعصب في كتابه “الجمهورية”؛ عندما وصف المتعصبين بأنهم سكان كهف تحت الأرض؛ مقيدين بالأخيلة والظلال وظلام الأشباح؛ بينما المستجدات ومصالح الشعوب تستدعي نسخ كل كهوف ونصوص الانغلاق؛ لأن الأولوية هي لتحقيق خير الوطن؛ والمصلحة العقلية والحياتية بل والوجودية تتقدم على كل ما دونها؛ إذ أن تقدم البلاد واستقرارها هو الناسخ الضروري لكل ما يُعيقه؛ لأننا نعيش في إطار دولة تحيا ضمن منظومة أخلاق كونية تتقدم نحو المنشود .
إن عدم تهنئة المتعصبين لنا لن ينتقص منا شيئًا؛ ولن ينزع فرحنا منا؛ وهو لن ينفي عنا مواطنتنا ووجودنا على أرضنا . وأصحاب دعاوى المقاطعة هم وحدهم الخاسرون؛ لأنهم يقدمون أنفسهم للعالم باعتبارهم غير مؤهلين للتواصل الإنساني الطبيعي؛ ولا مؤهلين للعيش في المجتمع البشري على قاعدة التعارف والاحترام والقبول؛ إذ أن التهنئة المتبادلة بين الناس ليست حديثه العهد ولا تعني أبدًا أنهم يعتنقون نفس المعتقد .
إن المسيحيين أبدًا لن يستجدوا لياقات اجتماعية؛ ولا ينتظرون تهنئة من نفوس هذه هي قناعاتها؛ لكنهم يقدِّرون باعتزاز كل من يتصدى لدعاوى العزلة الاجتماعية… وهم يأتون ويشاركون كعادتهم. فمنهم من وقف على أبواب الكنائس حاملاً الورود والحلوى. ومنهم من تدافع في حب ووطنية ليتبرأ من هذه التُّرَّهات؛ معلنين أننا شعب واحد؛ وأن العقلاء والشرفاء والطيبين هم الباقون وسيبقون.. كفانا جدال حول التهنئة من عدمها؛ واتجهوا إلى تنظيف العقول وتبييض القلوب حتى ينتهي النحر والذبح والحرق والنهب والفتك بالناس، وقوموا بدوركم؛ لو كنتم صادقين في محو الكراهية ولوثه الاعتداء على كل ما هو غير مسلم؛ من بشر وحجر