يقول دو لا بوتري : "الحقيقة ليست مجرّد كشف عام عن الأسرار ، وليست مجرد عقيدة ؛ إنها الكشف عن شخص يسوع بالذات ، المسيح، ابن الآب" .

إذا إنطلقنا بطريقة منهجيّة من شهادة العهد الجديد ، وجعلناها القاعدة للتبصّر الفكريّ في الإيمان بالمسيح ، فعلينا أن نحملَ على محمل الجدّ   واقعَ أنّ الأناجيل هي " روايات الآلام مع مداخل مفصّلة " (كالر) . وعندئذ ، فالصليب ليس فقط نتيجة ظهور يسوع الأرضيّ ، بل غاية التجسّد ، وليس هو شيئا مضافــًا ، بل المعنى الأخير لمجيء المسيح الذي أرصِدَ له كلّ الباقي . وما كان الله صار حقّا إنسانا لو لم يدخل في كلّ لجّة الموت وظلماته . ويقول الكاردينال فالتر كاسبر ، أنه علينا التفكير في ماهيّة بنوّة يسوع الإلهيّة لا إنطلاقا من ميلاده الأزليّ والزمنيّ ، بل من موته على الصليبْ : ليسَ مولد الإبن من الآب ، مفهومًا بالمقايسة كصدور الكلمة الروحيّة ، بل تسليم الآب للإبن (بمعنى : إخلاء الذات - تجرّد من الذات - تلاشي الذات ) ، وتسليم الإبن ذاته للآ ب وللكثيرين ، ما يجب أن يكون المنطلق للتفكير المسيحانيّ .

نرى الأساس لهذا المنطلق لمسيحانيّة التلاشي والتجرّد ، في رسالة بولس إلى أهل فيلبّي 2 : 6 - 11 ، الذي يتكلّم على " تلاشي " مَن كان قائمًا في صورة الله فأخذ صورة " عبد " .  وما يجب أن نراه هنا ، في تفسير النصّ ؛ ليس تغييرًا في  الذات ، ولا هو تجريدا لله من ألوهيّته . تفسيرٌ كهذا يكون بوجه من الوجوه ليس فقط مضادّا لكورنتوس الثانية 5 : 19 :" الله كان في المسيح " ، بل لِما جاءَ أيضا في نصّنا الذي يقوم التلاشي فيه على اتخاذ " صورة عبد " لا على " التخلّي عن الصورة الإلهيّة " . ويعطي القدّيس أوغسطينوس تفسيرًا صحيحًا جدّا ويقول : " لقد تلاشى هكذا ، آخذا صورة عبد لا تاركا صورة الله ، دانيا من صورة عبد وغير مبتعد عن صورة الله " .

تجسّد الكلمة الأزليّة في التاريخ ، هو تجرّد وتلاشي وخروج .. للقاء الإنسان . إنه تلاشي المحبّة في الآخر ، وسرّ الغيريّة . وهذا التجرّد هو صورة للتجرّد الأعمق والأكبر لسرّ الله الثالوث في ذاته وفي جوهره . فالله هو ثالوثٌ وعلاقة وخصوبة . إنه سرّ العطاء والإقتبال والتمايُز في جوهره . إنه آب وابن وروح قدس .. حياة الله ليس ذرّة بل علاقة (بنديكتوس السادس عشر) ؛ وإن لم يكن الله علاقة وخصوبة ، فلا يستحقّ أن نؤمنُ به ، إنه ، في هذه الحالة ، يكون وثنـــًا من بين أوثان ٍ كثيرة ، أو آلهة ً من آلهة الأساطير اليونانيّة .

قمّة المحبّة والتلاشي في الآخر هو : الصليبْ . سرّ الصليب كشفَ سرّ التجسّد الحقيقيّ للكلمة الأزليّة ، كلمة الله الذي صارَ تاريخـــَا وسكنَ (نصبَ خيمته) بيننا ، وأضحى واحدًا منّا - الله معنا .  فيسوع المسيح هو ، في إنسانيّته ، وفي حيات وموته ، التفسير الذاتيّ لله .  قال بولغاكوف مقتفيًا أثر يوحنا الإنجيليّ : " إن ساعة التجرّد التامّ من الذات (في اليونانيّة : الكينوز) ، أي ساعة آلام يسوع وموته على الصليب ، هي أيضا ساعة " التجلّي الكامل " للألوهة بوصفها حبّا ، إذ " ليس حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه " يوحنا 15 . وقال أيضا يوحنّا : " الله محبّة "  (1 يو 4  : 8 ) . فتجرّد المسيح من ذاته ، أو إفراغ الذات من الذات ، أي الكينوز ؛ هو إذنت التجلّي الكامل لهذا الإله الذي هو ، في جوهره ، حبّ وعطاء .

يقول الأب فيكتور شلحت اليسوعيّ : إنّ التجرّد من الذات في تجسّد الكلمة ، ما هو إلا تعبير عن حالة تجرّد أعمق في الكلمة . يقول بولغاكوف : هناك تجرّد من الذات في الثالوث ، بمعنى أنه لا وجود لكلّ الأقانيم إلاّ في كونه من أجل الأقنومين الآخرين . فالكلمة هو مولود من الآب ، وبقبوله أن يتلقّى كلّ شيء من الآب ، وأن يردّ كلّ شيء إلى الآب ، فإنه يرتضي بحالة " التجرّد من الذات " . التجرّد من الذات (التخلّي - التجسّد) ، هو جوهر الله المحبّ . كشفَ الله سرّه الحقيقيّ في سرّ تجسّد الابن -الكلمة ، في واقع وفي تاريخ حيّيين . والتجسّد والتلاشي والتجرّد والتخلّي ، كلمات ذات معنى واحد ، هي كلّها سرّ خلاص البشريّة . 

البابا فرنسيس خلال لقائه العائلات في مانيلا: مستقبل البشرية يمر عبر العائلة

“إن مستقبل البشرية يمر عبّر العائلة” هي كلمات قداسة البابا فرنسيس خلال لقاء جمعه مع العائلات في قصر الرياضة في مانيلا مساء الجمعة بالتوقيت المحلي، وكان في استقباله رئيس اللجنة الأسقفية للحياة والعائلة في مجلس أساقفة الفيليبين المطران رييس. وتخللت اللقاء ترانيم وشهادات حياة وقراءة من إنجيل القديس متى (2، 13 ـ 15. 19 ـ 23). وقد استهل الأب الأقدس كلمته شاكرا الجميع على حضورهم وشهادة محبتهم ليسوع وكنيسته، وتوقف عند ثلاث نقاط: الراحة في الرب، النهوض مع يسوع ومريم وأن نكون صوتا نبويا.

عيد القديس بطرس بالسلاسل

في بازيليك (سان بيترو – Vincoli) الصغيرة في روما و التي تعود الى القرن الخامس تُحفظ ذخائر ثمينة يعتقد أنها السلاسل التي إقتيد بها القديس بطرس بينما كان في السجن. وكانت الإمبراطورة أليا أوغوستا زوجة ثيودوسيوس الثاني ، قد أتت بسلاسل من القدس كهدية قدمها إليها القديس جوفينال أسقف أورشليم أنذاك. وقد أكد لها أن تلك القيود كانت قد إستخدمت لربط القديس بطرس في سجنه في القدس.