الإخوة والأخوات الأعزاءصباح الخير، وسنة سعيدة!
في هذا اليوم الأول من السنة، وفي أجواء فرحة الميلاد – وبرغم برودة الجو- تدعونا الكنيسة لنحدق بنظرة الإيمان والمحبة إلى أم يسوع. فيها، امرأة الناصرة المتواضعة، “الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا” (يو 1، 14). لذلك لا يمكننا أن نفصل التأمل بيسوع، كلمة الحياة الذي صار مرئيًّا وملموسًا (را. 1 يو 1، 1)، عن التأمّل بمريم التي أعطته محبتها وجسدها البشريّ.
نصغي اليوم إلى كلمات القديس بولس: “أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة” (غل 4، 4). إن تعبير “مولودًا من امرأة” يوضح بطريقة باتة وقوية حقيقية إنسانية ابن الله. كما كان يشدد أحد آباء الكنيسة، القديس أثانسيوس: “لقد كان مخلصنا إنسانا بالحقيقة، ومن ذاك أتى خلاص البشرية باسرها” (رسالة إلى أبكتيتوس: PG 2)
ويضيف القديس بولس “مولودًا في حكم الشريعة” (غل 4، 4). وهو بهذه العبارة يُلح على أن المسيح قد أخذ الحالة البشرية وحرّرها من انغلاق الذهنيّة المُقيّدة بالشريعة. ففي الواقع، الشريعة في انعدام النعمة تصبح حملاً ثقيلاً وتؤذينا بدلاً من أن تفيدنا. لهذا قال يسوع: “لقد خُلق السبت من أجل الإنسان لا الإنسان من أجل السبت”. هذا هو الهدف إذًا الذي من أجله يرسل الله ابنه إلى الأرض ليصير إنسانًا: الهدف هو التحرير لا بل الولادة الجديدة. التحرير: “فِيَفتَدِيَ الَّذينَ هم في حُكْمِ الشَّريعة” (آية 5)؛ وقد تم هذا الافتداء بموت المسيح على الصليب. ولكن وخصوصًا من أجل الولادة الجديدة: “فننال التبنّي” (آية 5). فالبشر باتحادهم به يصيرون حقًا أبناء الله، وهذا العبور الرائع يتم فينا بواسطة المعموديّة التي تُطعّمنا كأعضاء حيّة في المسيح وتدخلنا في كنيسته.
في بداية عام جديد سيساعدنا جدًا أن نتذكّر يوم معموديتنا: لنكتشف مجدّدًا الهدية التي نلناها في هذا السرّ الذي خلقنا لحياة جديدة: الحياة الإلهية. وقد تم ذلك بواسطة الأم الكنيسة، التي تتبع مثال الأم مريم. بفضل المعمودية دخلنا في شركة مع الله، ولم نعد عرضة للشرّ والخطيئة، بل نلنا المحبة والحنان والرحمة من الآب السماوي. وأنا أود أن أسألكم مجددا: “من منكم يتذكر يوم معموديته؟”، أناشد الذين لا يتذكرون تاريخ معموديتهم أن يبحثوا عنه وأن يحفظوه في قلبهم. بإمكانكم أن تسألوا الوالدين، والأشابين، والأقارب… فيوم معموديتنا هو يوم عيد! تذكروه واحتفلوا بيوم معموديتكم، سيكون مناسبة جيدة لشكر الرب على نعمة المعمودية.
إن قرب الله هذا من حياتنا يمنحنا السلام الحقيقي: الهبة الإلهية التي نريد أن نبتهلها اليوم بشكل خاص، في اليوم العالمي للسلام. أقرأ على إحدى اللفتات الموجودة بالساحة: “السلام هو دائما ممكن”. إن السلام هو دائما ممكن! علينا البحث عنه… ولافته أخرى تقول: “الصلاة هي أساس السلام”. السلام دائما ممكن والصلاة هي أساسه. فالصلاة تثمر سلاما. إننا نحتفل في هذا النهار باليوم العالمي من أجل السلام: “لا عبيد بعد الآن بل إخوة”، لأن الحروب تجعلنا عبيدًا. هذه هي رسالة اليوم، رسالة تطالنا جميعًا وجميعنا مدعوون لمحاربة جميع أشكال العبودية وبناء الأخوّة. جميعنا كل بحسب مسؤوليته. وتذكروا جيدا: السلام ممكن! والصلاة هي أساس السلام. لنصلي من أجل السلام. فما أروع مدارس السلام حيث التنشئة على السلام: علينا أن نداوم التنشئة على السلام.
إلى مريم، أم الله وأمنا، نقدم نوايانا الحسنة ونسألها أن تغمرنا جميع أيام السنة بستر حمايتها الوالدية: “يا والدة الله القديسة لا تغفلي عن طلباتنا عند احتياجنا إليك لكن نجينا من جميع المخاطر أيتها العذراء المجيدة المباركة”.
وادعو اليوم الجميع إلى تحيِّة العذراء مريم “كوالدة الله”. والتوجه لها بتحية: “السلام عليك يا والدة الله القديسة”. كما تم إعلانها من مؤمنين مدينة أفسس، منذ فجر المسيحية، عندما أخذوا يهتفون أمام رعاتهم: “السلام عليك يا والدة الله القديسة”. لنقل سويا ثلاث مرات: “السلام عليك يا والدة الله القديسة” (3 مرات).
ثم صلاة التبشير الملائكي
عاما سعيدا على الجميع. ليكن عاما للسلام، تعانقه مودة الرب وحماية مريم العذراء أمنا.
عاما سعيدا ولا تنسوا أن تصلوا من أجلي. غداء هنيئا! وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2015