نحن في عين العاصفة؛ وكل من يقتلنا يظن أنه يقدم خدمة لله، ففي كل يوم نشهد الخطف والذبح والنحر على أيدﻱ الإرهابيين الذين أظلمت قلوبهم وأذهانهم؛ وعاثوا في الأرض تقتيلاً وتخريبًا وتخطيفًا. وقد تزايدت أعمال الخطف وطلب الفدية والتنكيل بالمخطوفين واقتيادهم إلى الأَسْر، مسوقين تحت القهر في بشاعة تُضمر إقصاء المسيحين تحديدًا من مَعِيّتهم؛ ومحاولة محوهم من الوجود. فالوطن مكانهم (الحيز) الذﻱ يشغلوه ، والله وحده هو غير المحوﻱ ولا حيز له ، وهو فوق الزمان والمكان.
نحن كمسيحين مستهدفون من أعوان الشيطان الذين يقومون بعمليات الخطف ليغيِّبوا المخطوفين ويسلخوهم من وجودهم، يلغونهم ويشردونهم عن واقع حياتهم وأرضهم وأهلهم، وقد قيل أن الخطف نصف الإبادة وهو مخيف ومُرّ على أهل المخطوفين؛ حيث لا يعرف أحد شيئًا عن شيء. فقط لا نسمع من الحكومات العاجزة إلا الشجب والإستنكار والمشاطرة؛ من دون ردع أو قانون؛ لكنهم يُمطروننا بتصوراتهم وتخوفاتهم ومناوراتهم. ونحن في كل شيء لا نعوِّل كثيرًا إلا على الحاكم ضابط الكل؛ لأننا نعلم أن ما يحدث؛ ما كان ليحدث لو لم يكن بسماح من الله الذﻱ تؤل كل تدابيره للخير لجميع الذين يحبونه من كل قلوبهم، وهو الذﻱ يعطي المتوكلين عليه الأشياء التي تشتهي الملائكة أن تراها.
إن أحداث الخطف الجارية حولنا؛ هي لا تخص المخطوفين والمأسورين وحدهم؛ لكنها تخص الكنيسة كلها؛ وتخص الوجود المسيحي في هذا الشرق، ولاشيء يحدث خارج مقاصد القدير الذﻱ نثق أنه لن يتركنا لمقادير قدر؛ لكنه أعد كل شيء من أجل تكميل خلاصنا.. إن عشنا له نعيش؛ وإن مِتنا له نموت؛ وجميعنا في يده.. فمَنْ ذا الذﻱ قال فكان وهو لم يأمر؟! هو معنا في الأتون وسط نيران الكراهية والنهب وسلب الغنائم، هو معنا في جُب الأسود المسعورة مصاصة الدماء والمستبيحة لكل ما هو آدمي وطبيعي .
قلوبنا تعتصر على إخوتنا وأحبتنا المخطوفين. لذا لا نقف عند حد الانفعالات البشرية؛ بل نساند أهلهم ونطلب مشيئة الله وحفظه وستره ورضاه؛ كي نمر من الباب الضيق المؤدﻱ للحياة الأبدية حسب التدبير؛ عالمين أن كل شيء هو من أجل خلاصنا لا لهلاكنا .
المخطوفون الآن يواجهون الموت البطيء الذﻱ لا يمكن أن يتصوره إلا المأسورون أنفسهم. يُقهَرون وتُنزع عنهم صلبانهم؛ ويُقيَّدون ويتعذبون عذابات الشهداء والمعترفين. لأجل هذا نصلي جميعًا ونلحّ بلجاجة ونترجَّى النعمة والقوة التي تكمل ضعفهم وتشدد عزيمتهم وتثبت رُكَبهم المخلعة وأياديهم المرتعشة؛ ونطلب من الله مادام قد سمح بذلك؛ أن يمنحهم العون والعزاء والمنفذ وملء الثقة كإشارة مسرة الملك لأمين سِرِّهِ.
جميعنا مستهدفون من دون استثناء؛ فالمخطوفون هم من كل الأعمار والرتب والفئات. فهو امتحان للكنيسة وللكيان كله؛ كي يجمعنا الصليب وتجمعنا جثسيماني قبل الجلجثة. الدعوة للعبور مفتوحة لكن لا يعرف أحد الساعة ولا وقت الرحيل .
إنه درس لكل مسيحي كي يعي أنه ليس بإمكانه أن يبقَى عضوًا في الكرمة من دون أن ينال الصبغة؛ ويجتاز المعصرة حاملاً صليب الإيمان وتاج الخلاص، ولله إلهنا توقيتاته؛ لا مَنْ يُنقِص منها ولا مَنْ يزيد عليها.