ومن هنا ندرك بأن للقيادة المنتجة هدف لن يتم تحقيقه إلا إذا تبناها أفراد ينتهجون سلوكاً تنظيمياً واضحاً ومُقاد بخطة محكمة نحو النتاج. فمهارة التنظيم الفكري والسلوكي من أهم مرتكزات القيادة المنتجة والمؤثرة. وكما هو الحال مع معظم الأمثال الشعبية، هناك بعض الحقيقة في القول المأثور “القائد الفعال يولد ولا يُصنع” وأن القدرة على القيادة الفعالة هي فطرية. ومع ذلك، لابد من التأكيد أن اكتساب المهارات اللازمة لتكون قائداً أكثر فعالية أمراً ممكناً وليس مستحيلاً، لذلك، سواء أكنت تقود شركة بأكملها أو كنت أحد موظفيها فأنت من ستحدد أن تكون قائداً أو تابعاً، وهذا كله مقترناً بالإدراك الواعي أن القيادة ليست منصباً أو مركزاً نسعى إليه، إنها مجموعة من المهارات والسمات والجهود التي بالضرورورة بمكان أن نعيها أفراداً وجماعات لنستحق امتياز القيادة الفعاله والمؤثره.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، ما أهم السمات التي يتمتع بها بعض الأشخاص وتجعل منهم قادة فاعلين قادرين على تحقيق نجاحات مستمرة في قيادة جميع أنواع الشركات والمؤسسات وشتى المواقع؟ وما الذي يميز القائد الفعال عن الآخرين؟
المفتاح الحقيقي للقيادة هو التفكير، والسؤال: كيف نفكر؟ أولاً وقبل كل شيء، علينا أن ندرك أن ما يميز “نوعية القيادة” هي المقدرة على التفكير السليم والموجه بهدف واضح ومنظم في إيجاد آلية تحقيق الهدف، علاوة على امتلاك رؤية شموليه واضحة، فالقائد الفعال هو الذي يبني على الماضي ويربطه بالحاضر ويستشرف ما يمكن حدوثه في المستقبل ليتمكن من رؤية الصورة الكاملة.
نوعية التفكير القيادي
القائد الفعال يدرك أن قدراته وإمكانياته في تحقيق الهدف يعتمد على قدرته في التعاون والتشارك مع المحيطيين به، فالقيادة هي عملية تفاعلية من قبل الشخص الذي يمارس “التأثير في الآخرين” والأتباع، لذا فعلى من يسعى للقياده أن يعمل على تعزيز وتنمية أفضل المواهب، وبناء علاقات الثقة الدائمة مع الآخر في محيط العمل، وتعزيز مبدأ وثقافة الالتزام حتى وإن غاب التسلسل الهرمي والسلطة، وهذا النمط من التفكير القيادي يعتمد على جذب وإلهام وإدارة المواهب، والقدرة على تطوير قادة آخرين قادرين على المتابعة وإتمام المهمه بثقة عالية ورغبة وشغف لإتمامها بإتقان في ظل أهداف طموحه وإرادة واعية للإنجاز المتميز والمفيد. وحتى يتمكن القائد من إنجاح هذه العملية والعمل ضمن هذا النمط كان لا بدّ أن يكون الدور الأساسي والاعتماد على مبدأ اللامركزية في القيادة، من حيث النظر إلى الآخر، احتياجاته، عمله، وتفهم واقعه المعاش.
كيف يستطيع القائد الفعال إتباع هذا النمط؟ هذا يتطلب الوقوف أمام الذات:
التفكير بأنفسنا: نقاط القوة والتحديات التي نواجهها.التفكير بالآخر: نقاط القوة والتحديات التي يواجهها.التفكير بالعمل: النجاحات والإخفاقات، الإيجابيات والسلبيات.التفكير بالمحيط: المتغيرات المعاصرة.
وهذه العملية يجب أن تكون مستمرة بتجدد، فإتباع هذا النمط من التفكير القيادي لا يكون عند القيام بعمل ما أو حدوث حدث ما، وإنما بانتهاج مبدأ الاستمرارية، فمن أهم الصفات التي يتمتع بها القائد، لجعل الرؤية تحدث، هي الصبر والمثابرة.
فالقائد المبدع هو الذي يفكر بوضوح بالناس المحيطين به، ليس فقط في قدراتهم الحالية وقوتهم وصراعاتهم، وإنما بالمقدرة على دعمهم ومساندتهم ليصبحوا قادة فعالين، هو القادر على تأهيلهم وتحفيزهم وتطويرهم والتأثير فيهم، إنه يخلق رؤية للآخرين ويساعدهم في تحقيق ذلك، هو الذي يضع نصب عينيه “التفكير بالآخر” ومساندته والنهوض به.
أما ما نحتاجه اليوم لإحداث هذا التأثير وأصبح من المهم، أن لا يقتصر دور القائد على تحفيز الآخرين ووضعهم على المسار، ولكن السير معهم والأخذ بيدهم وإرشادهم وإلهامهم وتزويدهم بالمعرفة المتجددة وحثهم على استخدام سلوكيات ومهارات إبداعية ضمن منظمة قيمية، فالقائد هو راعي القطيع يسهر عليهم ويسير بهم إلى المرعى الحقيقي، هو من يصغي إليهم، ويتفهم احتياجاتهم وطموحهم. فالقيادة الفعالة لا ترتكز فقط على تحقيق الأهداف، بل تسعى إلى كسب المحبة والثقة والاحترام.
وكما يقول البابا تواضروس عن الراعي الصالح “الراعي الصالح يعمل بدافع الحب، ويحوي القطيع في قلبه، ويضع حياته من أجل القطيع، ويخدم بأمانه كبيرة، ومسؤول عن تغذية القطيع، ويفرح قطيعه على الدوام”