بدأ قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الثلاثاء زيارته الرسوليّة السابعة والتي تحمله إلى سريلانكا والفيليبين تحت شعار”اثبتوا في المحبة”. وصل الأب الأقدس إلى مطار بندارانايكيه الدوليّ في كولومبو في تمام الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة بالتوقيت المحلّي حيث أُقيمت مراسم الاستقبال الرسميّة في جوّ من الفرح والأناشيد التقليديّة وكان في استقباله الرئيس السريلانكي سيريسينا المُنتخب حديثًا والكاردينال مالكوم رانجيت رئيس أساقفة كولومبو وعدد من الأساقفة. وبعد أن ألقى رئيس الجمهورية كلمة رحّب بها بالأب الأقدس وشكره على زيارته وجّه البابا فرنسيس كلمة قال فيها:
السيّد الرئيس،
السلطات الحكوميّة الموقرة،
صاحب النيافة، أصحاب السيادة والسعادة،
أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكركم على استقبالكم الحار. لقد انتظرت طويلاً هذه الزيارة إلى سريلانكا وهذه الأيام التي سنقضيها معًا. تُعرف سريلانكا كلؤلؤة المحيط الهندي لأجل جمالها الطبيعي. ولكن تُعرف هذه الجزيرة خصوصًا بدفء شعبها وغنى تعدد تقاليدها الثقافيّة والدينيّة.
سيّدي الرئيس، أتقدم منكم بأطيب التمنيات من أجل مسؤوليتكم الجديدة. وأحيي مختلف أعضاء الحكومة والسلطات المدنيّة التي تشرّفنا بحضورها. أعبر عن امتناني بشكل خاص لحضور الممثلين الدينيين الموقّرين، الذين يلعبون دورًا مهمًّا في حياة هذه البلاد. وبالطبع أرغب بالتعبير عن تقديري للمؤمنين وأعضاء الجوقة كما وللعديد من الأشخاص الذين عملوا من أجل تحقيق هذه الزيارة. أشكر الجميع من كلّ قلبي على لطافتكم واستقبالكم.
إن زيارتي لسريلانكا هي أولاً راعوية. كراع للكنيسة الكاثوليكية، جئت لألتقي وأشجّع الكاثوليك في هذه الجزيرة ولأصلي معهم أيضًا. وقفة أساسيّة في هذه الزيارة ستكون إعلان قداسة الطوباوي جوزيف فاز الذي لا يزال يلهمنا ويعلمّنا من خلال مثاله في المحبة المسيحية والاحترام لكل إنسان بدون تمييز في العرق أو الدين. لكن زيارتي تريد أيضًا أن تعبّر عن محبة الكنيسة واهتمامها بجميع السريلانكيين وأن تؤكّد على رغبة الجماعة الكاثوليكية بأن تشارك بشكل فاعل في حياة هذا المجتمع.
إنها لمأساة مُستمرّة في عالمنا أن تكون جماعات عديدة في حرب فيما بينها. إن عدم القدرة على مصالحة الاختلافات والخصامات، قديمة كانت أم جديدة، قد ولّدت توترات عرقيّة ودينية ترافقها مرارًا أعمال العنف. لقد عرفت سريلانكا، لسنين طويلة، رعب الحرب الأهليّة، وهي الآن تعمل على تعزيز السلام ومداواة جراح تلك السنوات. ليست مهمة سهلة تلك التي تقوم على تخطي الإرث المرير للظلم والعدوانيّة وعدم الثقة الذي خلّفه النزاع. ولكن يمكن تحقيقها فقط “بقهر الشرّ بالخير” (راجع روما 12، 21) وتنمية الفضائل التي تُعزّز المصالحة والتضامن والسلام. إن مسيرة الشفاء تتطلّب بالإضافة إلى السعي للحقيقة – ليس بهدف تفتيح الجراح القديمة، وإنما كأداة ضروريّة لتعزيز شفائها – العدالة والوحدة.
أيها الأصدقاء الأعزاء أنا مقتنع بأن أتباع مختلف التقاليد الدينية لديهم دور أساسيّ في المسيرة الحساسة للمصالحة وإعادة البناء القائمة في هذه البلاد. ولكي تتم هذه المسيرة، ينبغي على جميع أعضاء المجتمع أن يعملوا معًا؛ وأن يكون لهم جميعًا صوت. ينبغي أن يكون الجميع أحرارًا في التعبير عن قلقهم وحاجاتهم، طموحاتهم ومخاوفهم. وإنما خصوصًا ينبغي عليهم أن يكونوا مستعدّين لقبول الآخر واحترام الاختلافات المشروعة وتعلّم العيش كعائلة واحدة. وفي كل مرّة يصغي فيها الأشخاص لبعضهم البعض بتواضع وانفتاح يمكن للقيم والطموحات المشتركة أن تولد. ولن يُنظر إلى الاختلاف كتهديد وإنما كمصدر غنى وتظهر الدرب نحو العدالة والمصالحة والتناغم الاجتماعي أكثر وضوحًا.
بهذا المعنى ينبغي على عمليّة إعادة البناء الكبيرة أن تشمل تحسين البنى التحتيّة وتأمين الاحتياجات الماديّة وإنما أيضًا، وخصوصًا، تعزيز الكرامة البشريّة واحترام حقوق الإنسان والإدماج التام لكل فرد في المجتمع. أتمنى أن يقدّم المسؤولون السياسيّون والدينيون والثقافيّون في سريلانكا – مُركّزين كل كلمة يقولونها وعمل يقومون به على الخير والشفاء الذي سينتج عنه – مساهمة ثابتة للتقدّم المادي والروحي لشعب سريلانكا.
السيّد الرئيس، أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكركم مرّة أخرى على ترحيبكم. لتكن هذه الأيام التي سنمضيها معًا أيام صداقة وحوار وتضامن. أبتهل من الله فيض البركات على سريلانكا، لؤلؤة المحيط الهندي، وأصلّي ليشعّ جمالها من أجل ازدهار جميع سكانها وسلامهم.